زاد الاردن الاخباري -
غالبا ما تؤدي الأعمال الدرامية التاريخية إلى ”تخندقات“ متابعيها في معسكرين متناقضين، وهذا ما شهده هذا الموسم الدرامي في عدة أعمال، وعلى رأسها مسلسل ”فتح الأندلس“ المغربي و“الاختيار“ المصري، وبدرجة أقل مسلسلات البيئة الشامية السورية كـ“بروكار“ و“الكندوش“ و“باب الحارة“.
وتتجدد إشكالية العلاقة بين الدراما والتاريخ باستمرار، بسبب عدم الاتفاق على المرجعيات والحقائق والوثائق والمواقف من الشخصيات والأحداث التاريخية من جهة، ولأن عملية ”دَرْمَتَةُ التاريخ“ تحمل في ثناياها عوامل خِلافية عميقة لجهة جودة الدراما وإمكانيتها في مجاراة الأحداث من جهة أخرى.
كما أن تدخُّل خيال الكاتب في رسم بعض تلك الوقائع، إلى جانب شطحات المخرج في تصويرها وغير ذلك مما يمكن تسميته ”المطبات التاريخية في الدراما“، تسهم في تلك الإشكالية.
وحصل الإشكال الرئيس في ”فتح الأندلس“، وهو من تأليف ستة كتاب هم: أبو المكارم محمد، وصالح السلفي، وصابر أحمد، ومحمد اليساري، ومدين الرشيدي، وإبراهيم كوكي، وإخراج محمد العنزي، والذي أثار موجة من الرفض والسخط، وصلت إلى حد إطلاق دعوات صريحة لوقف عرضه، هو تجاهله دور الأمازيغ في عملية النصر العسكري أثناء فتح شبه الجزيرة الإيبيرية.
كما أن تصويره للمغرب وكأنها كانت مجرد طريق لذاك الفتح الذي تم كما جاء في المسلسل بقوات شامية مدعومة أمويّاً، بينما المغاربة ظهروا كمساعدين عسكريين لا أكثر.
يُضاف إلى ذلك إغفال أصول ”طارق بن زياد الزناتي“ الأمازيغية، بحيث اعتبر المناهضون لذاك العمل أن الاتكاء على كُتَّاب من سوريا ومصر لتحقيق السيناريو الخاص بالمسلسل نحى به إلى ما يعارض الوثائق التاريخية المُدوّنة والمعروفة لدى الجميع.
وإلى جانب تلك الأخطاء التاريخية، برزت إشكالات في الديكور كوجود زخرفات تركية في قصور طنجة، وبعض الالتباسات فيما يتعلق بأزياء طليطلة، وخلل في عمليات الغرافيك كمشهد السفن في البحر، وظهور فاكهة الأناناس ضمن أحد المشاهد وهي التي لم تُعرَف إلا بعد اكتشاف أمريكا، ما جعل بعض المعارضين للعمل يصفونه بأنه ”فتح الأناناس“ وليس ”فتح الأندلس“.
وبالمقابل، ومن خلال انقسامات أشد وطأة، تم التعاطي مع مسلسل ”الاختيار“ بجزئه الثالث وبعنوان فرعي ”القرار“ تأليف هاني سرحان، وإخراج بيتر ميمي الذي تناول أحداثاً من التاريخ المصري الحديث، ومعظم من تابعه عايشوا تفاصيلها وكانوا مطلعين على جريانها، ولو بصورتها العامة.
هذا الأمر جعل البعض يصف المسلسل بالجريء، لاسيما أنه يجسد من بين مَن يجسدهم شخصية رئيس الجمهورية وهو مازال على كرسي حكمه، في حين قال عنه آخرون إنه يُشوِّه الحقائق ويعمل على تبييض صفحة النظام المصري بالاتكاء على اختلاق أحداث ومواقف خيالية لتحقيق ذاك الغرض.
وزاد من قوة العمل درامياً، أنه تضمَّن مشاهد تسجيلية، ما جعله ينتمي إلى صنف ”الديكودراما“ الأكثر قدرةً على تحقيق المصداقية والأثر في المشاهدين، حتى يكاد يقترب من الحقيقة، ما ضاعف من زخم معارضيه في الوقت نفسه، فوصفوا المسلسل بأنه يعمل على مسح ذهن المشاهدين وتغذيته بما يريده أصحاب القرار ومن هم على كراسي الحُكم.
أما ما عاب مسلسل ”الاختيار“ في جزئه الثالث، فكان المباشرة في توجيه الرسائل ضمن عدة حلقات، ما حوَّل الدراما فيه إلى ما يشبه نشرات التوجيه السياسي، خاصةً مع الاتكاء على تسجيلات حقيقية للاجتماعات المغلقة لجماعة ”الإخوان المسلمين“، بمعنى أنه كسر إيقاع السرد الدرامي بفجاجة ملحوظة، ما جعله ينحو باتجاه أن يصبح دراما دعائية أكثر منها توثيقاً درامياً، وفي ذلك خلل كبير على صعيد الصنعة.
وعلى صعيد آخر، تخبو الإشكالية التاريخية في الدراما الشامية، لأن جماهيرها ما عادت تتعامل معها بجدية، بعد كم كبير من زعزعة اليقين بالتاريخ الذي تتكئ عليه، حتى أن متابعيها باتوا ينظرون إليها على أنها مسلسلات أقرب إلى الكوميديا، وبعيدة جداً عن الرصد التاريخي الحقيقي.
وأبرز مثال على ذلك أعمال ”بروكار“، و“الكندوش“، و“باب الحارة“، التي حوَّلت مثلاً الاحتلال الفرنسي للشام والنضالات ضده إلى ما يشبه المساخر الدرامية المتكررة التي أنفها المشاهدون، فانفضوا عنها إلى أعمال تحترم أكثر ذاكرتهم ومعرفتهم وذائقتهم.