زاد الاردن الاخباري -
كشفت دراسة ميدانية حول الصحة النفسية للشباب في الأحياء الشعبية أعدتها منظمة "أنترناشونال الرت" أن 27 في المئة من الشباب المستجوب الذين تتراوح أعمارهم بين (18 و29 سنة) يعتبرون أن حالتهم النفسية “سيئة أو سيئة جدا”.
وجاء في هذه الدراسة التي شملت 1250 من شباب وشابات كل من الكبارية والقصرين الشمالية وتطاوين الشمالية، أن أكثر من ربع الشباب المستجوب شعروا بالحاجة للذهاب إلى أخصائي أو طبيب نفساني، في حين تمكن 1 على 8 من هؤلاء الشباب من زيارة طبيب نفساني.
ولفتت هذه الدراسة التي تم تقديم نتائجها خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة إلى أن 8 في المئة من الشباب المستجوب أفاد أنهم من أصحاب الأمراض المزمنة في حين صرح نصف المستجوبين أنهم لا يتمتعون بالتغطية الصحية.
كما بينت الدراسة أن بطالة الشباب في هذه المناطق فاقت الـ40 في المئة وهو الأمر الذي دفعهم إلى التفكير وبشكل دائم في الهجرة سواء بطريقة شرعية أو غير نظامية. حيث صرح 50 في المئة من المستوجبين برغبتهم في الهجرة.
بطالة الشباب في المناطق الشعبية فاقت الـ40 في المئة وهو الأمر الذي دفعهم إلى التفكير وبشكل دائم في الهجرة
وتشير الأرقام الرسمية في تونس إلى أن البلد، الذي راهن منذ استقلاله على التعليم ورصد له ثلث ميزانية البلاد، يشهد ومنذ الثورة في الرابع عشر من يناير 2011 انقطاع 100 ألف طفل سنويا عن التعليم لأسباب مختلفة. وهو رقم مفزع باتفاق أغلب التونسيين خاصة وأن هؤلاء المنقطعين الذين بلغ تعدادهم اليوم مليون طفل في عشر سنوات من الثورة، لا تتم متابعتهم ولا أحد يبحث عن مصيرهم بعد الانقطاع المدرسي.
وبينت ألفة لملوم مديرة مكتب منظمة “أنترناشونال الرت” أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها حول الصحة النفسية والسلوكات المحفوفة بالمخاطر لدى الشباب في هذه المناطق، لافتة إلى أن هذه الدراسة تعرضت أيضا إلى مسألة القلق لدى الشباب العاطل عن العمل باعتباره أحد مؤشرات الصحة النفسية إلى جانب تقديم إفادات سجناء سابقين حول تجاربهم السجنية وذلك بالتركيز على وضعهم الصحي خلال فترة العقوبة السالبة للحرية وما بعدها.
ورأى الباحث محمد رامي عبدالمولى أنّ الدراسة الميدانية انطلقت من مؤشّرات مهمة، من بينها أنّ 84 في المئة من السجناء تقلّ أعمارهم عن 40 عاما، والدراسات حول الصحة النفسية للشباب محدودة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالظروف الصحية للسجناء. وقال: “لقد توجّهنا إلى المعنيين بالأمر مباشرة، والتقينا سجناء سابقين في المناطق المذكورة تراوحت أعمارهم ما بين 19 و50 عاما”.
وأوضح عبدالمولى أنّ أهمّ النتائج تمحورت حول ظروف السجن، إذ تذمر السجناء من الاكتظاظ في الزنازين الذي يفوق طاقة الاستيعاب مرّتَين أو ثلاث مرّات، ومن عدم توفير أدوات النظافة الشخصية، وكذلك من الأكل، علما أنّهم معظمهم لا يتناولون ما يُقدَّم لهم في السجن بل يعوّلون على ما يجلبه أهاليهم أو اقتطاع وصولات في الغرض. وثمّة شكاوى من الفراغ أيضا، إذ إنّ مشاهدة التلفزيون هي المتوفّرة لهم وبعض أنشطة يُكلَّفون بها أحيانا.
وأضاف عبدالمولى أنّ الشباب تحدّثوا عن المعاناة النفسية داخل السجون، خصوصا يوم الزيارة، فهم يشعرون بالذنب تجاه أهلهم، وثمّة من فقد أهله وهو في السجن من دون أن يُمنح إذنا لحضور الجنازة.
وتابع: "عند سؤالهم عن الرعاية الصحية كشفوا أنّه باستثناء الفحص الروتيني لا تُقدَّم لهم أيّ رعاية صحية، لافتين إلى أنّ مراجعة الطبيب أمر صعب ومعقّد، كما أنّ نقل السجناء إلى المستشفيات صعب، ويأتي ذلك في حالات نادرة".
وأكد عبدالمولى أنّه بحسب تصريحاتهم، لا تتوفّر إحاطة نفسية واهتمام بشروط النظافة في داخل الغرف، في ما يخصّ الأغطية والحشايا، وثمّة صعوبات في الحصول على الأسرّة، مشيرا إلى أنّ الصحة النفسية غائبة في الوسط السجني، إذ أنّ 15 في المئة فقط التقوا متخصصا نفسيا.
ورأى عبدالمولى أنّ التجربة السجنية والوصم الاجتماعي تسبّبا في تفاقم الوضع النفسي وقطع العلاقات مع المجتمع، وبالتالي يُسجّل شعور بالظلم، وقد بلغت نسبة العودة إلى السجن 63 في المئة لدى الأشخاص المستطلعين الذين سبق أن سُجنوا.
ودعت لملوم إلى ضرورة إيلاء مسألة الصحة النفسية الأهمية اللازمة وتمكين الشباب مهما كان وضعهم الاقتصادي من تغطية صحية وبصيغ تمكنهم من الانتفاع بها دون صعوبات إجرائية أو مالية ودون وصاية أو ضغط أو تحكم من “معيل” أسري حسب تقديرها.
كما أوصت بضرورة توفير خدمات صحة للشباب خاصة بالمناطق الداخلية وترفيع الاعتماد في وزارة الصحة وإنهاء إغلاق انتداب أطباء الاختصاص في الصحة العمومية إلى جانب تطوير آليات تكوين المهنيين المباشرين في الخط الأول للقطاع الصحي وتمكين الشباب بالمؤسسات السجنية من خدمات صحة نفسية خاصة بهم تديرها هياكل وزارة الصحة بمشاركة الوزارات ذات العلاقة والمنظمات الحقوقية.
وقال مهدي برهومي الممثل عن منظمة “إنترناشونال ألرت” إن المنظمة بدأت العمل في تونس في عام 2012 لتعزيز مشاركة الشباب في الأحياء الشعبية والمهمشة، وكان لها نشاط في أحياء ومناطق شعبية عدّة مثل حيّ التضامن والملاسين وسيدي حسين في العاصمة.