سلامة الدرعاوي - وصف محكم ورشيد أطلقه محافظ البنك المركزيّ الدكتور عادل شركس على الاقتصاديّ الأردنيّ الذي يتجه للتعافي التدريجي رغم كل التحديات والصعاب الداخليّة والخارجيّة التي تحيط به، فالقاعدة الأساسية للاقتصاد مازالت متينة، وتنمو إيجابياً.
حديث المحافظ الجديد الدكتور شركس لفعاليات القطاع المصرفيّ في جمعية البنوك في الأردن في أول ظهور اقتصاديّ مباشر معهم وضع النقاط على الحروف، وقدم رؤية واقعية لتطورات الاقتصاد العالميّ وآفاقه، وواقع للتطورات والمستجدات المحليّة وأولويات البنك المركزيّ للمرحلة الراهنة.
المحافظ لم يخفِ قلقه مثل غيره من أصحاب الخبرات والمؤسسات المختصة من التطورات السلبية للتضخم الذي يجتاح اقتصاديات العالم والذي يؤدي إلى تآكل تدريجي للقوة الشرائية للمواطنين في حال استمراره دون اتخاذ إجراءات لضبط نموّه ومقاومته.
القلق من التضخم الذي وصل في بعض الاقتصاديات أكثر من 8 % متأثرا بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والإغلاقات المتقطعة في الاقتصاد الصيني مؤخرا، أدت إلى تعزيز حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالميّ، وزاد من حدة ارتفاعات الأسعار العالميّة بشكل شمولي من طاقة وغذاء وأجور شحن ونقص في بعض المواد نتيجة التخزين، والارتباك في سلاسل التوريد والتي في النهاية كلها تشكّل تحديات مباشرة على الاقتصاديات ومنها الاقتصاد الأردنيّ الذي يتشابك عموديا وأفقيا بما يحدث في العالم والإقليم.
هذه التحديات لم يغفلها المحافظ في حديثه للمصرفيين، فهو شخّص لهم حالة راهنة يعيشها الاقتصاد العالمي عامة والأردنيّ خاصة بأسلوب علمي وواقعي.
في المقابل أعطى جرعات تفاؤل كبيرة في حديثه الاقتصاديّ المبني أيضا على حقائق واقعية ملموسة، ومؤشرات إيجابية يشهدها الاقتصاد رغم كل التحديات الإقليمية والدولية، لا سيما مؤشرات القطاع النقدي والمالي، وهو ما مكّن الاقتصاد الوطنيّ من تسجيل نموّ نسبته 2.2 % خلال عام 2021 متجاوزاً التوقعات السابقة بهذا الخصوص.
محافظ البنك المركزيّ أكد بقوة حسب المعطيات الراهنة في الاقتصاد بأنه يحقق نموّاً هذا العام بحدود الـ 2.4 %، مستندا بذلك على استمرار تحسّن أداء العديد من المؤشرات الاقتصاديّة، حيث نمت مقبوضات المملكة من الدخل السياحي بنسبة 251.4 % خلال الربع الأول من عام 2022، وسجلت حوالات العاملين نمواً بنسبة 1 % خلال الشهرين الأولين من العام، إلى جانب نمو الصادرات الوطنيّة بنسبة 37.2 % لنفس الفترة.
ورغم النموّ غير المسبوق بمعدّلات التضخم العالمية التي لم يسبق لها مثيل منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن شركس أكد أن موجات التضخم في المملكة هي الأقل وما زالت أقل بكثير من واقعها الفعلي بسبب التدابير الوقائية المختلفة التي اتخذتها الحكومة، وأن التوقعات تشير إلى أنه قد يصل التضخم إلى 3 % في نهاية العام الحالي.
شركس كشف عن متانة القاعدة الاقتصاديّة للاقتصاد الأردنيّ والتي هي بالأساس نتيجة الاستمرار في عمليات الإصلاح الذي أعطى منعة تدريجية للاقتصاد ضد مختلف الصدمات، وامتصاص تداعيات الأزمات الطارئة بثبات نسبي، فسياسة الحكومات المستمرة والداعمة لتنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصاديّة الهيكلية خلال عقد من الزمان، نجحت في ترسيخ ثقة المجتمع الدولي، وهو ما ترجم بالعلاقات الإستراتيجيّة للمملكة مع المانحين والمؤسسات الاقتصاديّة العالميّة، والتي شاركت الأردن بالكثير من عمليات الإصلاح التي أسفرت في النهاية عن تثبيت التصنيف الائتماني للمملكة عند “نظرة مستقبلية مستقرة” وهو ما يعد شهادة على متانة الاقتصاد الوطنيّ.
المحافظ أكد أن البنك المركزيّ يعي تماما تطورات المشهد الاقتصاديّ بتحدياته وآفاقه، وهو يسعى بشكل أساسي لتعظيم مواطن القوة في الاقتصاد وتوظيفها بشكل إيجابي بتعزيز النموّ والاستقرار، ويعمل لتحقيق التوازن بين متطلبات تحقيق الاستقرار النقدي، كهدف رئيسي، وبين توفير قنوات تمويل بشروط ميسّرة لدعم النموّ الاقتصادي، وهو ما كان الهدف وراء إطلاق برنامجي البنك المركزي للتمويل بشروط ميسرة بقيمة ملياري دينار، مشيراً إلى حرص البنك المركزي على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
سعر الصرف الثابت للدينار الأردني مقابل الدولار الأميركي عند مستواه الحالي هو أحد محاور الالتزام الثابت للبنك المركزيّ في المرحلة الحالية والمقبلة كما أكده شركس للحضور، مدعوما بمؤشرات نقدية إيجابيّة وغير مسبوقة، (رصيد مرتفع من الاحتياطيات الأجنبية يبلغ 18.0 مليار دولار، ووجود جهاز مصرفي منيع).
أولويات البنك المركزيّ في المرحلة القادمة كما كشفها المحافظ هي الإبقاء على نوافذه التمويلية إلى حين تأمين التعافي للقطاعات الاقتصاديّة، والاستمرار في سياسة دعم الشركات التي لا يزال لديها فرصة لاستمراريتها واستعادة أرباحها، وترتيب عمل الأنشطة الماليّة بشكل قانوني ومؤسسي.
حديث المحافظ شركس النوعي في تشخيص الاقتصاد والتحديات والآفاق، يعطي دفعة للحكومة والقطاع الخاص معاً لتعظيم الإيجابيات ونقاط القوة الموجودة في الاقتصاد بتعزيز العمل المؤسسي الرسميّ بالشراكة مع القطاع الخاص، وهذا ما سيتمحور من الورش الاقتصادية في الديوان الملكي التي تهدف إلى وضع خريطة للاقتصاد للسنوات العشر المقبلة.