صحيح أن مرور ثلاثة عقود على توقيعها لاتفاقية وادي عربة مع الأردن، لم تقدم لها «تطبيعا» مناسبا، ولم يشاهد أردني ولا ضيف للأردن «قلنسوة» واحدة تجوب شوارع عمان أو غيرها من المناطق الأردنية، كما يشاهدونها اليوم في مدن ومطارات وفنادق في دول عربية، لكنها وبلغة السياسة والديبلوماسية أمنت الحدود الشرقية للأرض التي احتلتها قبل الاتفاقية المذكورة، وعلى الرغم من أن السلام «فاتر» مع الأردن إلا أنه قدم أمنا لها، ومع هذا فالدولة المحتلة تتخبط وتناكف الأردن منذ سنوات، وتتعالى أصواتها المتطرفة، لكنها لم تنجح حتى الآن بدفع الأردن للتخلي عن اتفاقية وادي عربة، ولا التخلي عن تحالفاتها ومواقفها المتوافقة مع الشرعية الدولية الداعية والساعية للسلام، ويبدو أن دولة الاحتلال فقدت البوصلة تماما، ولا تدرك خطورة مناكفتها للأردن.
دروس الجنوب اللبناني ( شمال فلسطين المحتلة ) ما زالت حيّة، والمقاومة اللبنانية أو الإيرانية إن شئتم لجمت المناورات ثم أنهت المغامرات الإسرائيلية هناك، وكلنا يعلم يقينا أن لغة الكلام والسلام معطلة تماما على جبهة الشمال، ولا تنتظر اسرائيل مطولا حتى تتلقى ردا على أية مغامرة تحاول القيام بها على تلك الجبهة.
ومن غزة (غرب فلسطين) تعلمت، وتتعلم اسرائيل دروسا كثيرة، لم يتعلمها أي كيان محتل بلغ هذا الحد من النفوذ والقوة العسكرية، وعلم وفهم كل العالم أيضا درسا مهما من تلك الجبهة، حيث تأكدنا جميعا بأن القوة العسكرية النووية التي يملكها الكيان المحتل، والدعم اللامتناهي الذي يتلقاه، وضمن مثل هذه الجغرافيا يساوي لاشيء، وهو درس محفوظ ومتاح ويمكن قراءته في أي وقت، وإعادة قراءة هذا الدرس هو ما تتجنبه اسرائيل اليوم.
هل تريد اسرائيل فتح جبهة جديدة من الشرق بعد ان خسرت مسرح مناوراتها من الشمال والغرب؟
هذا ما تسير إليه دولة الاحتلال لو تم احراج الأردن ودفعه للتخلي عن مساعيه لتحقيق السلام، ومساعي إعادة الحقوق إلى أصحابها حسب الاتفاقيات والقرارات الدولية، وفي الأعوام الأخيرة ارتكبت اسرائيل عدة أخطاء في علاقتها مع الأردن، سواء في عهد المتطرف نتنياهو أو في عهد الحكومة المأزومة الحالية، وبغض النظر عمن هي الحكومة التي تدير شؤون الكيان المحتل، فالثوابت الأردنية والخطوط الحمراء التي حددتها الأردن ليست قابلة لا للمفاوضات ولا للاختبار، والمناورات او المغامرات التي كانت تقوم بها اسرائيل في الشمال والغرب، وتم حظرها من قبل المقاومة هناك، لا تصلح ولا يمكن لإسرائيل وسياسييها وجيشها واستخباراتها القيام بها على الحدود الشرقية، فما زالت الدولة الأردنية ومن خلال شعبها وحكومتها وقيادتها الهاشمية ترد ردودا مناسبة على محاولات اسرائيل، سواء على صعيد الوصاية الهاشمية على المقدسات، أو على صعيد تسويق حلول تصفية القضية على حساب الأردن، وتوطين اللاجئين، وتقليص الدور الأردني تجاه حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته..
جلالة الملك ورئيس الحكومة ووزير الخارجية، وكل المسؤولين الأردنيين، يستطيعون التحدث وإطلاق التصريحات المناسبة، والشعب الأردني أيضا، سواء شعب الحرب (قبل وادي عربه)، أو الشعب الذي تخلو مدنه وشوارعه وفنادقه من أية «قلنسوة»، يمكنه أيضا إن تطلبت كرامته وثوابته وحقوقه وحدوده.. يمكنه أن يجعل الجبهة الشرقية كالشمالية والغربية..
صدقوني «بتكسبوها لو صليتوا على النبي العربي الهاشمي».