كل الجهود الملكية المبذولة من عمان او خارجها مهمة، وموجهة لتحقيق وحماية المصالح العليا للدولة، وتنطوي دوما على إشارات سياسية كثيفة، تنطلق وتصل أهدافها إلى كل الجهات المعنية، وحتى تحريك المياه الراكدة بسبب الجهود الملكية، تعد نتيجة إيجابية على صعيد ملفات محلية أو اقليمية أو دولية يراد إهمالها وتأجيل النظر فيها، أو التراجع من قبل الأطراف الشريكة عن مضامينها.
ليس جديدا القول عن محورية وأهمية دور جلالة الملك في قضايا دولية كثيرة وصراعات اقليمية، ولا نحتاج لأدلة على إثبات هذه الحقيقة، فلقائَي جلالة الملك مع الرئيس بايدن منذ توليه مراسيم الرئاسة الأمريكية، كزعيم من بين زعماء كثر في منطقتنا، واحد من الأدلة على أهمية ومحورية هذا الدور الأردني (الملكي)، وليست هذه الحقائق التي نبحث عنها كأردنيين، فهي معروفة، لكن ما نبحث عنه ونتابعه هو الموقف الأمريكي من قضايا تتعلق بالمصالح العليا للدولة الأردنية، أصبحت رئيسية في معادلة الصراع مع الدولة المحتلة لفلسطين، والتي باتت تتجاوز على الوضع القائم في القدس، وتتوالى منها انبعاثات قديمة جديدة لإشارات وتصريحات عدائية ضد الأردن، وتتعارض مع اتفاقية السلام الموقعة بين الأردن واسرائيل برعاية أمريكا والمجتمع الدولي..
من الأسئلة المطروحة على الرئيس بايدن وعلى الأردن في أعقاب الزيارة الملكية لأمريكا ولقاء جلالته مع بايدن، السؤال المتعلق بالاعتداءات الاسرائيلية المستمرة على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، والتي تعود المسؤولية عليها لجلالة الملك حسب الوصاية الهاشمية «التاريخية»، وكذلك موقف أمريكا اليوم من عملية السلام وحل الدولتين وحق الفلسطينيين بالعودة الى ارضهم وتعويضهم، وكذلك موقف أمريكا من الوضع النهائي في القدس، وكلها أسئلة ذات علاقة بالأردن ومصالحه، فلا حل نهائي لمثل هذا القضايا بمعزل عن الأردن وموافقته، وذلك بغض النظر عن الموقف الفلسطيني والعربي، فكلها قضايا وتساؤلات تتعلق بما تقوم به اسرائيل وتطلق التصريحات المتزايدة بشأنه، والتي تعبر عن عدم التزامها بأي من اتفاقيات السلام.
نؤمن بأن الصراع مع اسرائيل قد يمتد لسنوات أخرى بل لعقود، لكن الثوابت الأردنية قد تكون في موضع تهديد، حين تكون ممارسات ومساعي الاحتلال الاسرائيلي موجهة لإيجاد حلول مجانية لقضية فلسطين وشعبها، وتأتي على حساب الدولة الأردنية وفي أراضيها، وتبدد أمنها واستقرارها واستقلال قرارها، كما يصرح بل ويسعى الطرف المحتل لفعله، تارة من خلال الحكومة الاسرائيلية ورؤسائها وتارة أخرى من خلال متطرفيها ومعارضيها.
ليس مناسبا ان يترك الفضاء للتحليلات السياسية المستندة لأجندات المتحدثين بها، ولا مقبولا أن تبرز أصوات سياسية (متقاعدة) لتروج لاستنتاجات وتحليقات لا أساس لها، فهذا سلوك يزيد المشهد تعقيدا ويولد المزيد من التحديات، ويصادر جهودا ملكية وحكومية كبيرة، بغياب الحديث عنها يزداد المشهد والموقف ضبابية، ويصبح مهيأ للتفاعل مع ما يأتي من خارج الحدود أكثر من تفاعله بل ودفاعه عن المصلحة الوطنية العليا.
في كل مرة في السنوات الأخيرة كان يؤكد جلالة الملك الموقف الأردني من تلك القضايا والأسئلة المطروحة، وهي ثوابت ومبادىء وقناعات أردنية لن تتغير، وعلى الرغم من قناعة كثيرين منا بثبات الدولة الأردنية على مواقفها وعدم حاجتها لإعادة التأكيد عليها، إلا أن الموقف والمزاج السياسي لن ينعدل إلا بتذكير الجميع بلاءات الملك، فهي لا ولن ولا يمكن أن تتغير وتتبدل وتخضع للتفاوض.