مكرم أحمد الطراونة - التأسيس لبيئة سياسية صحيّة يحتاج إلى سنوات عديدة، ومشروع الإصلاح السياسي الحالي يؤكد أن التحول نحو الحكومات البرلمانية التي تضطلع الأحزاب فيها بمهمة أساسية يحتاج إلى 10 سنوات على أقل تقدير، انطلاقا من أنه سيمر بتحولات جذرية في المفاهيم والممارسات، نحو تأسيس أحزاب حقيقية تواكب هذا التحول وتخدمه.
أسوق هذا الكلام لتقديم إطلالة على ما جرى أمس، في حزب “إرادة تحت التأسيس”، فبعد أشهر طويلة من العمل الجاد والمتواصل في التأسيس، ظهرت ما يمكن تسميتها “أزمة” بين عناصر رئيسة من القائمين عليه، جراء اختلاف في الرؤية والأهداف.
مؤسسو الحزب قاموا بجهود كبيرة خلال الأشهر الماضية، ونظموا جولات عديدة في عمان والمحافظات، أجروا خلالها لقاءات سياسية مع مختلف أطياف المجتمع الأردني، وقد استطاعوا أن يرسموا إطارا شبه واضح للحزب وتوجهاته وبرنامجه الذي سيعملون على بلورته.
لكن، ومع ظهور الأزمة الأخيرة، والتصريحات الإعلامية التي خرجت من بعض المنخرطين في عملية التأسيس تلك، والتي تركت انطباعا سلبيا لدى الشارع الأردني، اعتبر البعض أن هذا مؤشر على صعوبة تحقيق الحياة الحزبية في الأردن، وبمعنى آخر أن المجتمع الأردني غير مهيأ فعليا لعملية التحول المرجوة مع دخول المملكة في مئويتها الثانية. فهل هذا الانطباع صحيح؟
سأتكفل بالإجابة عن هذا السؤال، وأؤكد أنه انطباع خاطئ ومتسرع. فما حدث يمكن تصنيفه على أنه مخاض سياسي متوقع، ويمكن للأمر أن يتكرر مع الحزب نفسه لاحقا، أو مع غيره من الأحزاب التي ستؤسس مستقبلا. أسباب ذلك ستكون عديدة، يمكن أن يكون منها “كيمياء العمل الجماعي”، أو الالتقاء المصلحي الذي سرعان ما ينتهي، فليس جميع الأحزاب ستكون مؤسسة على برنامج سياسي وطني، بل يمكن أن تتأسس على مصالح مشتركة عنوانها الوصول للمنصب.
تجربة إنضاج الحزبية محليا ستمر بمخاضات عديدة ومتنوعة، ولن تستقر إلا حين يتم “تركيب المسننات” بطريقة صحيحة، فالمستقبل سيشهد تشكيل أحزاب وانقسامات واندماجات، وظهور أحزاب واختفاء أخرى، وصولا إلى إنضاج الأفكار وبلورتها على أرض الواقع.
في الأردن، نحن نمر اليوم في مخاض مهم، سيشكل ملامح المرحلة السياسية المقبلة، وهي مرحلة لن نقطف ثمارها اليوم أو غدا أو بعد عام، بل هي محكومة بالقدرة على التغيير الثقافي والاجتماعي، لذلك فإن من يتنبأون برحيل مجلس النواب الحالي، يدركون اليوم أن بقاءه حتى انتهاء مدته أمر حتمي، وليس من مصلحة مشروع الإصلاح السياسي غير ذلك، فالأمر يحتاج على الأقل إلى ثلاث دورات انتخابية حتى تستقر الأحزاب، وتستطيع أن تؤسس لها حضورا في الشارع.
ما حدث مع حزب “إرادة” ظاهرة عادية جدا وطبيعية في ظل ما نعيشه اليوم وما نحاول التأسيس له، وربما تكون ظاهرة صحية أيضا، على اعتبار أن الأفراد المؤسسين لأي حزب سيختبرون مدى اندماج أفكارهم الخاصة بهذا المشروع، وأيضا الوصول بالمجموع إلى “الصيغة” الأكثر جدارة للعمل الحزبي المبني على أساس وطني.
الخلافات والتناقضات والمصالح الشخصية، ستظل دائما جزءا من أي مشروع حزبي، فالأنانية جزء أصيل لدى كثيرين، والذاتية تحكم عملهم، وربما سيكون هذا هو أكبر تحد أمام الإصلاح السياسي الأردني.
الطريق طويل، ولم نبدأ رسميا السير فيه بعد، ومن الظلم للأردن والأردنيين، أن يفشل هذا المشروع بسبب سوداوية بعض من يرون أنه غير قابل للتطبيق، فالمعارك التي يبدأها مقاتلون مرتجفون يسعون وراء المكاسب والغنائم، ستكون نتيجتها الهزيمة المذلة. فلنستفد من تجربة حزب “إرادة” ونبني عليها لما فيه خير للبلد والمواطن.