أ.د. عبد الناصر زياد هياجنه : أستاذ القانون الخاص / كلية القانون/ جامعة قطر - لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم أبعادٌ كثيرة في الحياة العامة للدولة المستضيفة، والمتابع لما يجري في دولة قطر الشقيقة من السنوات الأخيرة يستطيع بسهولة بالغةٍ أن يرصد – وبإعجابٍ شديد – الكثير من هذه الأبعاد. فالبطولةُ مشروعٌ وطني كبيرٌ ليس في الإطار الاقتصادي والسياحي فقط، بل وفي الإطار القانوني والبيئي والثقافي والسياسي، ولقد أحسنت دولة قطر صنعاً؛ بأن أطلقت على اللجنة الوطنية المسؤولة عن إدارة التحضيرات للبطولة وتنظيمها "اللجنة العليا للمشاريع والإرث" في إشارةٍ بالغةِ الدلالة على الإرث المنتظر أن تتركه البطولة في حاضر ومستقبل دولة قطر. فالمؤكد أن تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم عملٌ ضخم متعدد الجوانب؛ فهذه البطولة تعتبر الحدث الرياضي العالمي الأبرز والأكثر جماهيرية تماماً كتنظيم دورة الألعاب الأولمبية، بل إن كرة القدم تحظى بجماهيرية أكثر على صعيد المتابعة والإثارة حيث تعد رياضة كرة القدم أكثر الرياضات حصداً للاهتمام والمتابعة والإثارة.
إن التحضيرات التي شهدتها وتشهدها دولة قطر تُشير إلى قوة تأثير البطولة على صعيد النشاط العقاري في الدولة وقطاع مشروعات البنية التحتية والفوقية في طول البلاد وعرضها، فالمنشآت والمرافق المساندة والمساحات المحيطة بها تحتضن عملياتٍ وأنشطة كبرى على صعيد التطوير العقاري وهندسة المكان وتخطيط المساحات وتخضيرها وتزويدها بالمرافق ونقاط تقديم الخدمات المختلفة، كما أن شبكات المواصلات المصاحبة بتنوعها ومرونتها وتكاملها يجعلان من الإنجاز في هذا المجال حدثاً مثيراً للاهتمام والاعجاب.
ولا يخفى حرصُ دولة قطر على تنظيم البطولة وفق أعلى المعايير الدولية في مجال الاستدامة وحماية البيئة، بل إن المتابع يرصد جهوداً صادقةً للدولة في التفوق في معايير الاستدامة على تلك المتوقعة والمعتمدة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا". فالأبنية والمنشآت اُستخدمت فيها مواد صديقةٍ للبيئة والآخر استخدم مواد قابلة للفك والنقل وإعادة التركيب والاستفادة منها لاحقاً في تطوير المنشآت الرياضية في الدولة النامية أو الأقل نمواً كما مراعاة أن تكون المنشآت محايدة كربونياً تحقيقاً لأعلى معايير الاستدامة، وهو أمر انعكس على مدونات ومعايير وممارسات البناء والتطوير العقاري والأدوات التشريعية ذات الصلة بحماية البيئة والاستدامة.
كما أن قانون العمل لم يكن هو الآخر بعيداً عن التأثر إيجاباً لتوفير معايير متقدمة للعمل وحماية حقوق العمال وأجورهم وحقهم في تغيير صاحب العمل، وقواعد السلامة المهنية وتوفير التدريب والإيواء والترفيه للطبقة العاملة في إسكانات ووسائل نقل وترفيه وضماناتٍ توفر بيئات عملٍ آمنةٍ وجاذبةٍ لرأس المال البشري. وكان لافتاً صدور قانون رقم 10 لسنة 2021 بشأن تدابير استضافة كأس العالم فيفا قطر 2022، وهو قانون فريد من نوعه من حيث تأقيت تطبيقه في فترة وجيزة قبل وأثناء وبعد البطولة، معطياً صلاحياتٍ خاصة للجنة العليا للمشاريع والإرث واللجنة الأمنية المنبثقة عنها والجهات الوطنية المختصة، ويقرر تدابير استثنائية في مجالات كثيرة ذات صلةٍ بالبطولة كإجراءات تصاريح الدخول والخروج، والجوازات، والسفر وتصاريح العمل والإعفاءات، والسلامة والأمن، وعمليات البنوك والنقد الأجنبي، وحقوق الفيفا والبث والإعلان والتنقلات والمتطوعون، والمسائل القانونية والتعويضات والعقوبات. وكذلك القانون رقم 11 لسنة 2021 بشأن حماية العلامات التجارية وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الخاصة بالاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا.
وليس الأمر مقتصراً على هذه الجوانب، فعلى صعيد الحضور العام للدولة المستضيفة للبطولة، فإنها ستكون وجهةً للإعلام العالمي والسياحة قبل وأثناء وبعد البطولة. ناهيكَ عن الحضور في المشهد السياسي الإقليمي والدولي بما يجعل من دولة قطر أيقونة في المنطقة والعالم بما أظهرته من قدراتٍ تنظيمية وإدارية فذةٍ تعكس إرادة دولة قطر في صناعة إنجازٍ سيعيشُ طويلاً في الذاكرة الإنسانية.