حسين الرواشدة - استدعى حزب جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمون) معاوية بن أبي سفيان، بعد 1342 عاما على وفاته، ثم أوعز لأحد أعضائه أن يقدم، بالنيابة عن هذا الصحابي- رحمه الله- شكوى ضد الأمين العام الاسبق للحزب، زكي بني ارشيد، بتهمة الإساءة إليه.
المحكمة الحزبية تداولت القضية،على مدى جلسات طويلة، ثم أصدرت حكمها، قبل أيام، بتجميد عضوية بني ارشيد بالحزب لمدة عامين، بعد أن ثبت لها، بالدليل القطعي، واقعة الاساءة، وفشلت محاولاتها لاستتابة المتهم للتراجع عن خطئه.
المشهد يبدو “سورياليا” بامتياز، لكن ما حدث جدّ لها لا هزل فيه، فقد أصدر الحزب بيانا نشرته وسائل الإعلام، سرد فيه تفاصيل الواقعة، كما قدم بني ارشيد، أيضا، دعوى ضد الحزب لدى محكمة البداية، اعترض فيها على قرار تجميده، ثم نشر على صفحته ثلاثة “بوستات”، شكر فيها سيدنا يوسف، لأنه تعلم منه كيف يتعامل مع إخوانه، ومع الناس والحياة أيضا.
سبق أن كتبت في هذه الزاوية “من ينتقد الإخوان آثم أم مأجور” (4/2/2022)، وأخذت نصيبي من الإساءة، من قبل بعض أعضاء الجماعة، والمتعاطفين معها، لكن لم يخطر ببالي، أبدا، أن يضيق صدر الجماعة، وأفقها الفكري والسياسي، فتحاكم أحد أبرز أقطابها، لمجرد أنه انتقد معاوية بن أبي سفيان، ليس – فقط- لأن معاوية بشر مثلنا، يصيب ويخطئ، وإنما لأن من أصدر الحكم حزب سياسي، لا ديني، أو هكذا يفترض، وبالتالي فإن ما فعله يعيدنا للقرون الوسطى، حيث الكهانة السياسية، وتحول رجال الدين إلى سلطة، ومحاكم تنصب مشانقها لكل من يعترض، أو ينتقد أي شأن يتعلق بالدين وأتباعه.
لوهلة، تصورت أن مشاعر الحزب الدينية تحركت للدفاع عن الصحابي معاوية، أو أن الحزب الذي لم يسبق له (ولا للجماعة أيضا) أن تدخل بالجدالات الفقهية، استدرك، ضمن خطة تطوير مشروعه الإصلاحي، فأدخل المدارس الفقهية وخلافاتها ضمن أجندته.
لكن حين دققت بتوقيت المحاكمة، اكتشفت أنها جاءت متزامنة مع اقتراب موعد انتخابات أمين عام الحزب، ثم أعضاء مجلس الشورى والمكتب التنفيذي، (25 أيار الحالي)، ثم أن التنافس على منصب الأمين يدور بين قيادتين، أحدهما يقف معه بني ارشيد، اكتشفت، أيضا، أن إقصاء بني ارشيد من منصة الحزب وتجميده، ليس مسألة جديدة، وإن كان حسم بقرار المحكمة، فالرجل قيد التجميد منذ سنوات طويلة.
سواء أكان ما حصل، باسم التوظيف السياسي للدين أو العكس، أو لأسباب تتعلق بالانتخابات الحزبية، أو بحجة الدفاع عن الصحابة، أو تصفية لحسابات قديمة، أو لاسترضاء أطراف وجهات أخرى، فإن واقعة المحاكمة تعكس ما يحدث من تحولات داخل “البيت الإخواني”، بدأت مبكرا منذ نهاية التسعينيات، وتصاعدت العام 2014، على شكل انشقاقات حولت الجماعة لجماعتين، وثلاثة أحزاب.
كما تعكس، ثانيا، إشكالية اقحام الدين بالمشهد السياسي، وما ألحقه من ضرر بالدين والسياسة معا، وتعكس، ثالثا، فشل محاولات “هز شجرة الإخوان” من داخلها، التي استهدفت تحريرها من “العقد” التي حرمتها من ممارسة الفعل السياسي بخطاب وطني، وروح متصالحة مع الذات والآخر.
قبل أكثر من سبع سنوات (شباط 2015) حكمت محكمة أمن الدولة على بني إرشيد (نائب المراقب العام للإخوان آنذاك) بالسجن ثلاث سنوات، بتهمة ” تعكير صفو علاقات المملكة مع دولة أجنبية”، حينئذ أدان الإخوان الحكم، واعتبروا محكمة أمن الدولة غير دستورية.
الآن، يتكرر المشهد ذاته، محاكم الإخوان تحكم بتجميد عضوية الرجل نفسه، لمدة عامين، بتهمة تعكير صفو علاقة الجماعة مع معاوية بن أبي سفيان، أو مع الدولة الأموية، لا فرق، هنا لا يمكن لأحد أن يستبعد، أبدا، فيما لو وصل حزب الجبهة للدوار الرابع، أن يدرج تهمة انتقاد أي شخص في قائمة تضم أكثر من 114.000 صحابي، ضمن اختصاصات محكمة أمن الدولة.
سؤال: هل هذه النسخة الاخيرة التي يريد الإسلام السياسي أن يقدمها لجماهيره من محبي الدين، أو للعالم أيضا؟ لا أدري، لكن حين يقال لإخواننا هؤلاء: أخطأتم، او أنتم تساهمون من خلال هذه العقلية، أكثر من خصومكم، بتشويه مشروع الإسلام السياسي، وربما نعيه وتحديد موعد دفنه، يردون على الفور: فشرتم، نحن باقون ونتمدد.. يا خسارة..!