ماهر ابو طير - سموم الأخبار تتسرب الى دم الصحفيين أولا، فهم يتلقونها أولا، وينفعلون معها بشكل مختلف، والذي يقرأ الاخبار منذ وباء كورونا، لا يجد ما يسر البال في هذا العالم الذي يطحن بعضه.
من الاخبار اللافتة للانتباه هنا ان التقارير الدولية تقول ان العرب يستهلكون ربع انتاج القمح في العالم، كما أن القمح مادة أساسية لتحضير الكثير من المنتجات الأخرى، ويشكل 40 إلى 60 بالمائة من مكونات الغذاء في المنطقة العربية، بما يجعله اداة استقرار، مثلما قد يتحول الى اداة تثوير، وهذا الجانب، اي تحول الخبز الى اداة تثوير، لا يمكن التغافل عنه في دول كثيرة.
تخيلوا رعاكم الله، هذه النسبة الكبيرة مقارنة بعدد العرب، فهي شعوب مدمنة للخبز، الذي اصبح في حالات كثيرة بديلا عن الطعام، او بات رئيسيا الى جانب اقل القليل من الغذاء.
حين يؤشر الخبراء على المخاوف من مجاعة عالمية مقبلة على الطريق بحلول العام 2023، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتقييد تصدير محصول القمح الذي يعد مادة غذائية أساسية، بالإضافة إلى الارتفاع المستمر بأسعاره عالميا، والمخاوف من حدوث مجاعة بسبب عوامل أخرى تتمثل بتعطل سلاسل التوريد ونقص الأسمدة، والتغير المناخي الذي يؤثر سلبيا في مناطق المحاصيل الرئيسة، تدرك ان اكثر الشعوب تضررا هم العرب دون غيرهم من شعوب العالم.
هذا يجري بالرغم من ان العالم العربي غني بالموارد، والثروات، والارض الزراعية، والمياه، لكنه يقف في طابور الذي يتوسل من اجل الحصول على كسرة من رغيف خبز، بأي سعر كان.
طبول الحروب تدق فوق هذه المنطقة، ويكفي الكلام عن منع دول لتصدير القمح، مثل الهند، والمتضرر الاول هو دول عربية، تواجه اليوم ظرفا صعبا جدا، بسبب ملف استيراد القمح من الهند، وما يمكن قوله هنا، ان وقف تصدير القمح، لا يقف عند حدود رغيف الخبز، اذ ان هناك منتجات غذائية مثل المعكرونة وغيرها تعتمد على القمج، وحين تغيب هذه السلع، او تضطر الدول لرفع اسعارها، فإن التداعيات السياسية والاجتماعية ستكون كبيرة وخطيرة، فالقصة ليست مجرد رغيف خبز، يمكن خفض استهلاكه، هي قصة اقتصادات الدول، وعدم قدرتها على استيعاب هذه التغيرات في الاسعار، بما ينعكس على استقرارها الداخلي، ويهددها مباشرة.
الأمر ذاته ينطبق على اسعار النفط، وارتفاعها، وتأثر الشعوب والدول في منطقة تعد الاكثر انتاجا للنفط، ومايتركه ذلك من تغيرات على اقتصادات الدول، والافراد، واسعار النقل والسلع، وغير ذلك، وهذه الموجة التي نراها من الغلاء في العالم العربي، ما تزال في بداياتها، ولعل الاخطر هو تدهور الاوضاع الاقليمية والدولية، مع عدم قدرة اغلب اقتصادات العالم العربي على استيعاب هذه التغيرات، والاضطرار لعكسها على الشعوب، بما قد يولد موجات غضب، وينتج خرائط سياسية اجتماعية جديدة بسبب الاحتجاجات والفوضى، فنحن ليس امام مجرد رفع اسعار عادي، بل امام ادوات سياسية اقتصادية تخلخل الدول الهشة في المنطقة، على مستويات مختلفة، بما يثبت اصلا فشل هذه الدول في ادارة شؤونها، ويكشف هشاشة بنيتها العامة.
أليس مؤسفا ان العالم العربي بكل موارده الانسانية والاقتصادية يقف عاجزا امام هذه الازمات، ويتلقى الضربات خصوصا في الدول الفقيرة، او المدينة، او الدول التي لديها عدد سكاني مرتفع، وفي هذه الحالة لا بد ان يقال صراحة، ان هذه التغيرات في ملفات مثل القمح، النفط، سلاسل التوريد وارتفاع الاسعار، ستؤدي الى تغيرات خطيرة، واضطرابات في دول عربية مختلفة، خصوصا، حين تعجز الحكومات عن استيعاب هذه التغيرات، ولا تجد حلا سوى إنزال كلفها على الفقراء والناس، وما يمكن قوله ان علينا ان ننتظر ما هو اهم من مجاعة عالمية او مجاعة في المنطقة، وبشكل محددة ان ننتظر موجة من الغضب الشعبي، خلال الشهور القليلة المقبلة في العالم العربي، خصوصا، حين تبدأ تأثيرات هذه الازمات بالظهور في شعوب هذه المنطقة، التي باتت لا تجد رغيف الخبز بسعر معقول، ولا تجد ايضا حرية ولا حقوق انسان في الوقت ذاته.
علينا قراءة التغيرات ليس من باب ارتفاع الاسعار وحسب، بل من باب أمن الدول، واستقرارها، وما قد يستجد في المنطقة، إذا لم تتوقف هذه الأزمات الحادة خلال الفترة المقبلة.