هناك جهات كثيرة لا تقوم بعملها كما يجب، وينتظرون من الملك التدخل، وحثهم او تهديدهم ان شئتم، ليقوموا بعملهم ودورهم كما يجب، وأنا لا أتحدث هنا عن الجهات او الجبهات الداخلية أو عن وضعنا الداخلي، فأمرهم سهل، ولا يوجد تعقيدات كثيرة، تحول دون أن يفهم الأردنيون دور وتأثير وقوة الملك في التوجيه والتغيير وتنفيذ أجندة الدولة، ودستورها وقانونها وأخلاقها وأعرافها ومصالحها، بل أتحدث عن الجهات الدولية وعن أمريكا نفسها، فجلالة الملك له دور قوي أيضا وكبير في التأثير على سياسات هذه الأطراف في المنطقة، ودور محوري حاسم في تقديم وتأخير ملفاتها الخطيرة الكثيرة.
كنا دوما نتحدث عن هذا الدور الذي يؤديه جلالة الملك، وعن ذلك التأثير في سياسات العالم كله تجاه منطقتنا، وباتت إجابة السؤال في العنوان هي الحقيقة الواضحة التي نفهمها جميعا، التي حققتها زيارة الملك الأخيرة لأمريكا، إضافة لحقائق أخرى.
شاهدنا مقابلة جلالة الملك التلفزيونية، التي أجراها معه الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر ضمن البرنامج العسكري الإعلامي المتخصص (Battlegrounds)، وانجلت هذه الحقيقة لمن شاهد او تابع، حيث واجه الملك الجميع من خلال إجاباته عن أسئلة المحاور، وكشف بجرأة فوق الحكمة والوعي والالتزام والنظرة السياسية البعيدة، كشف عن الكثير من المسكوت عنه، أو الذي (يناضل وينافق كثيرون) لقول جزء منه.
لم يجامل الملك أحدا، ولم يتوارَ خلف الديبلوماسية ليتماشى مع سياق العاطفة والسياسة الأمريكيتين، في موضوع روسيا، وقال إن روسيا وبحكم تدخلها في المسألة السورية كان وجودها ضامنا لعدم الانهيار الامني على حدودنا الشمالية، ورغم دهشة المذيع وهي دهشة السياسيين والمنظرين الامريكيين إلا أن جلالة الملك أكد قناعته وقناعة الكثيرين، وأن الفراغ الذي تركته روسيا هناك ستملأه إيران، ولعل (ملء الفراغ) أصبح بحد ذاته شعارا اعلاميا وسياسيا ونضالويا عند العرب وغيرهم، حين قامت أمريكا بغزو العراق وتدميره ثم تركت الساحة فملأتها إيران، وازداد التهديد وابتعد الاستقرار أكثر، وانطلقت الأجندات المتضاربة في المنطقة وازدهرت استثمارات الجريمة والحروب، وهذه حقيقة طرحها الملك على الاعلام الأمريكي والعالمي بجرأة، ولا يحتاج الموقف الملكي الصريح توضيحا وتأكيدا.
جلالة الملك أثبت أنه رجل المهمات الحاسمة، فقد واجه الأمريكان بشكل واضح بخطأهم الكبير إن هم أجلوا أو ماطلوا أو ابتعدوا عن التنسيق مع السعودية والامارات، فهم شركاؤهم الفعليون في ملفات كثيرة، وإن جمد الأمريكان التفاعل والتواصل مع الاشقاء في الخليج بسبب انشغالهم بالجبهة الأوكرانية، فهذا سيكون على حساب تلك الملفات المشتركة، وسوف يفتح مجالات واسعة لتقدم أطراف أخرى، فدول الخليج كالامارات والسعودية دول محورية وفاعلة ومهمة ويمكنها استبدال تحالفاتها لتحمي مصالحها ومصالح شعوبها وشعوب المنطقة، وهذا موقف ملكي شجاع أيضا، يبدو انه سيكسر الجليد الذي جمد العلاقة بين أمريكا وبايدن من جهة وبين السعودية والامارات من الجهة الأخرى.
الحقائق والمواقف الملكية المؤثرة في توجيه أمريكا وبالتالي كل العالم للتعامل اللائق والمطلوب مع منطقتنا، وملفاتها الكثيرة التي كانت أمريكا هي من أسسها أو هي اللاعب الأكبر فيها، هذه الحقائق والمواقف يثبتها ويحققها الملك في أيام معدودات، ويثبت من جديد لكل هذه الأطراف بأنه زعيم مهم، له موقف ورؤية ودور مؤثر ويخدم الجميع ويلتقي معهم على ما يخدم الحق والعدل وتوفير الأمن والحماية واستبعاد الصراعات واحتمالات حدوثها.