زاد الاردن الاخباري -
تنبأت ورقة بحثية مشتركة بين مؤتمر ميونخ للأمن (MSC) ومبادرة التهديد النووي ( NTI) تم إصدارها في مارس 2021 بموعد انتشار وعدد ضحايا وباء جدري القرود، وذلك ضمن إجراء تمرين افتراضي حول الحد من التهديدات البيولوجية عالية العواقب، وفحص الثغرات الموجودة في هياكل الأمن البيولوجي الوطنية بما يضمن التأهب للأوبئة.
وتوقع البحث المنشور تحت عنوان «تعزيز النظم العالمية للوقاية والاستجابة إلى التهديدات البيولوجية عالية النتائج»، أن تكون الكارثة العالمية التالية ناجمة عن سوء استخدام متعمد لأدوات البيولوجيا الحديثة، أو عبر حادث معمل بشكل أساسي، وشددت على أن تعزيز استعدادات كل دولة لمواجهة هذه التحديات ضرورة إنسانية تصب في المصلحة الذاتية الجماعية للمجتمع الدولي، لا سيما أن حتى أكثر الدول استعداداً ستظل معرضة للخطر في ظل الفجوات الكبيرة في الأمن البيولوجي والتأهب للأوبئة المتفاوتة بين دول العالم.
انتشار الوباء وافترضت التجربة الافتراضية للبحث التي جاءت خلال شهر مارس من العام الماضي، وجود وباء عالمي مميت يتضمن سلالة غير عادية من فيروس «جدري القرود» ظهرت في دولة خيالية أسماها «برينيا» وانتشر على مستوى العالم على مدى 18 شهراً - ضمت التجربة 19 مشاركاً من كبار القادة والخبراء من جميع أنحاء أفريقيا والأمريكتين وآسيا وأوروبا لديهم عقود من الخبرة المشتركة في الصحة العامة وصناعة التكنولوجيا الحيوية والأمن الدولي والعمل الخيري. وكشف سيناريو البحث -تم تطويره بالتشاور مع الخبراء التقنيين والسياسيين- أن التفشي الأول جاء نتيجة هجوم إرهابي باستخدام عامل ممرض تمت هندسته في المختبر مع عدم كفاية أحكام السلامة البيولوجية والأمن البيولوجي والرقابة الضعيفة، وبحلول نهاية التمرين، أدى الوباء الخيالي إلى أكثر من 3 مليارات إصابة و270 مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم.
3 خطوات
وضع البحث سياقاً للتجربة في 3 خطوات متتالية وفق تطورات التمرين الافتراضي، تبدأ الخطوة الأولى في (5 يونيو 2022) عبر تفشٍ غير عادي لفيروس جدري القرود في الدولة الخيالية «بريينيا» والتي يبلغ عدد سكانها 250 مليوناً، تبدأ بعدها التقارير في رصد حالات إصابة بلغت 1421 بالإضافة إلى 4 حالات وفاة، ويفترض التمرين عدم وجود دليل فوري على انتشار المرض دولياً، وأن تفشي المرض يحدث خلال عطلة وطنية يتخللها سفر محلي ودولي مكثف من قبل سكان «بريينيا»، ونظراً لعدم وجود جدري القرود بشكل طبيعي في «بريينيا»، يعتبر الخبراء المحليون والدوليون أن هذا الوباء غير عادي، ما يضطر حكومة الدولة الافتراضية للمطالبة بتحقيقات دولية بشأن الوباء، والدعم الطبي من منظمة الصحة العالمية.. تنتهي الخطوة الأولى بالكشف عن تسلسل الجينوم البشري لعينات مرضى جدري القرود لتؤكد أن السلالة في «بريينيا» تحتوي على طفرات تجعلها مقاومة للقاحات الموجودة.
توافق مع الواقع
اللافت أن الخطوة الأولى للسيناريو توافقت مع الواقع الفعلي للانتشار الحالي لجدري القرود، فالخطوة الأولى للتجربة التي افترضت بداية التفشي في 5 يونيو، لم تعد افتراضية بعد الآن، بالنظر إلي تفشي المرض بالفعل بعد يومين من التاريخ المتوقع داخل التجربة المشتركة ما بين مبادرة التهديد النووي ومؤتمر ميونخ للأمن، فهل تتطابق الخطوات التالية مع مستقبل الفيروس الذي بدأ يحتل المرتبة الأولي في الاهتمام العالمي؟.
تأتي الخطوة الثانية بعد 6 أشهر (10 يناير 2023)، مع افتراض أن الفيروس انتشر داخل 83 دولة وأصاب 70 مليون فرد -الحالات التي تم الإبلاغ عنها- وتسبب في أكثر من 1.3 مليون حالة وفاة، خاصة في ظل عدم وجود علاجات أو لقاحات فعالة معروفة، الأمر الذي دفع دولاً أخرى «خيالية أيضاً» إلى اتخاذ تدابير صارمة لإبطاء انتقال الفيروس عن طريق إغلاق التجمعات الجماهيرية، وفرض تدابير التباعد الاجتماعي، فضلاً عن إنشاء عمليات اختبار وتتبع مخالطين واسعة النطاق مع توسيع نطاق أنظمة الرعاية الصحية لديها لدعم أعداد الحالات المتزايدة المتوقعة.
على النقيض، يصور السيناريو مجموعة أخرى من البلدان، أعطت الأولوية لإبقاء اقتصاداتها مفتوحة، وقللت من أهمية الفيروس وتأثيراته المحتملة، لتشهد تلك البلدان نتائج أسوأ بكثير من حيث حالات الإصابة والوفيات من تلك التي استجابت مبكراً وبقوة.
هجوم بيولوجي
جاءت الخطوة 3 والأخيرة وفق السيناريو التخيلي بعد 12 شهراً من التفشي الأول في (10 مايو 2023)، لتسجل حينها أكثر من 480 مليون حالة إصابة و27 مليون حالة وفاة على مستوى العالم، وفي تلك الخطوة يعلم المشاركون -عبر معلومات استخباراتية لإحدى الدول الخيالية- أن الوباء ناتج عن هجوم إرهابي بيولوجي إقليمي تجاوز بكثير أهداف الجناة، إذ تم تطويره بشكل غير قانوني داخل إحدى الدول التي لها تاريخ من الصراع مع بريينيا المجاورة، وعملت الأولى مع جماعة إرهابية مستقلة وعلماء المختبرات المتعاطفين معها في هندسة مسببات الأمراض شديدة العدوى والقاتلة ونشرها في محطات القطار المزدحمة في برينيا خلال العطلة الوطنية، عندما كان الكثير من السكان يسافرون محلياً ودولياً، مستغلين الإشراف الضعيف للحكومة على مختبرات أبحاث العلوم الحيوية، والمنشورات العلمية المتاحة للجمهور لتوجيه عملهم لتعديل فيروس جدري القرود لجعله أكثر قابلية للانتقال ومقاومة للقاحات المتاحة حالياً.
وبعد تحقق الخطوة الأولى للتجربة المشتركة بين مؤتمر ميونخ للأمن (MSC) ومبادرة التهديد النووي ( NTI) من انتشار وباء جدري القرود التي نشرتها قبل 15 شهراً من ظهوره، يبقى التخوف من استمرار خطوات التجربة في التحقق، في ظل الثغرات الدولية الصحية، والتي لم تستطع الاستفاقة من وباء كورونا بعد.