وصايتان تقفزان إلى ذهن القارىء حين قراءته لهذا العنوان، الأولى هي وصاية الأردن على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين المحتلة، وهي الوصاية الهاشمية على المقدسات، وهي لم ولن تكون وهما، وهي أيضا «تاريخية» رغم كل الأصوات التي تلمز وتغمز بتاريخيتها، ويعيدونها إلى عام 1967، بينما القيادة الهاشمية تاريخية بالنسبة للعرب والمسلمين، مهما تقادمت وتناوبت قوى الإستعمار على بلاد العرب..
ليست الوصاية الهاشمية التي أتحدث عنها في العنوان، بل أتحدث عن «وهم الوصاية على العائلة الهاشمية» التي ذكرها جلالة الملك عبدالله الثاني في رسالته للشعب كله قبل أيام، والتي يوضح فيها ما صدر عن مجلس الأسرة الهاشمية، وهي الأسرة الحاكمة، التي حدد الدستور الأردني صلاحياتها، وأدوار أفرادها، ابتداء من جلالة الملك، ثم ولي العهد، وانتهاء بكل أمير وأميرة من أفراد هذه الأسرة الأردنية ذات التاريخ والتراث الأثيرين.
أنا أعبر عن أسفي الكبير بحدوث مثل هذا الموقف، وتطوره حتى هذه الدرجة، لكن هذه مشاعر شخصية لا علاقة لها لا بالسياسة ولا بقانون او بدستور، فهي تنطلق من حقيقة عبرت عنها في مقالة من أصل مقالتين كتبتهما عن الفتنة التي تم وأدها في حينها، ثم محاكمة المتورطين بها أمام محكمة أمن الدولة، وكنت وما زلت مقتنعا بأن هامش الحديث المباح عن أي خلافات داخل عائلة ما، محدود، ومحكوم بثقافة وقيم نعرفها كأردنيين وعرب، حتى وإن تعلق الأمر بأسر حاكمة، سواء في بلدنا أو أية أسرة حاكمة في أية دولة في العالم، لكن حين يتعلق الأمر بل ينعكس على أمن واستقرار واستقلال قرار بلدنا ودولتنا، فمطلوب منا موقف ورأي، فهي دولتنا وبلدنا ودستورنا وملكنا وولي عهده، وثلة محترمة من أمراء وأميرات أسرة اردنية هاشمية، نحترم ونعتز بكل فرد فيها.
الدور الوظيفي للأمراء محدد وسقفه دستور الدولة، وثمة نشاطات تطوعية يقوم بها بعض الأمراء، ولا يمكن بأي حال اعتبار مواقف وتصريحات سياسية معارضة أو تنطوي على اتهامات للإدارة العامة للدولة من ضمن مهام او نشاطات أي أمير من الأسرة الحاكمة، ولم يسبق أن حدث مثل هذا الأمر قبل حادثة الفتنة وتفاصيلها التي وردت في رسالة جلالته، والتي سبق أن اتخذ القضاء الأردني قراره بحقها وحق مفتعليها، وهاهو جلالة الملك والأسرة الهاشمية تقول عن هذا الموقف وتنتقده، وما زالت تعمل على احتوائه حسب مظلة الدستور والقانون ومنظومة الأعراف والقيم التي نحتكم إليها جميعا.
هناك نشاطات ومشاركات يمارسها الأمراء، وهي متداولة بين الناس وفي الإعلام، فهي غالبا، ليست مبنية على دوره ووظيفته، بل تأتي بصفة تطوعية، وتقدم قيمة مضافة تخدم توجهات مجتمع ودولة، فالنشاطات التي يقوم بها بعض الأمراء والأميرات على صعد اجتماعية أو صحية أو تثقيفية تضيف للناس قيمة طيبة، وتكون ملهمة لغيرهم داخل وخارج البلاد، وتكفيني هنا إشارة واحدة لبيت الخبرة الأردنية، سمو الأمير الحسن بن طلال، فنشاطات هذا الأمير وتصريحاته وأعماله وآراؤه ملهمة للجميع، سواء في الأردن أو حول العالم.. فهو رجل سياسة ومفكر كبير، ومواقفه مشهودة وتبعث فينا اعتزازا وفخرا، بينما لا يمكن ان نشعر بأن المواقف والأحداث التي ذكرها جلالة الملك في رسالته والمتعلقة بقضية الفتنة، تشبه ما نقوله أو نتحدث عنه أو حين نذكر اهتمامات ونشاطات ومشاركات الأمراء الآخرين.
كانت وما زالت القاعدة الأخلاقية ثابتة بالنسبة للأردنيين فيما يتعلق بخلافات بين أفراد أية أسرة، لكن حين يتعلق الأمر بالدستور والقانون والدولة وسيادتها واستقرار واستقلال قرارها، فالأمر مختلف، وهنا بالضبط يمكننا أن نقول بأن جلالة الملك فعل ما يجب فعله، وتغاضى ثم تسامى فوق عواطفه، وتحدث بشفافية والتزم بالدستور، وقدم لنا موقفا تاريخيا مجيدا، يؤكد مدى أهليته وأمانته وعدم مساومته على مصلحة الدولة الأردنية، ولا وصاية على واجبه ودوره سوى الدستور الأردني ومنظومة قيم لا ولن يتنازل عنها هاشمي أو اردني صادق.