زاد الاردن الاخباري -
صرحت هيئة الطاقة الذرية الأردنية بردها في صحيفة العرب اليوم بتاريخ 29/6/2011 عن تحليلي البيئي والقانوني لإتفاقية تعدين اليورانيوم مع الشركة أريفا الفرنسية بأن المقالة نصت على "الحقائق المتجزئة التي تخدم غايات (الكاتب)". وإنني إذ أستهجن هذا المنطق في التعامل مع التحليل للإتفاقية وكأنه لدي غايات غير معلنة، خلاف غيرتي وخوفي على مصلحة وطني ومستقبل أبنائي. وأدهشني بما جاء في تصريح الهيئة الذرية "بأن إتفاقية التعدين لم تكن وليدة اللحظة بل هي نتاج عمل دؤوب ...... في مفاوضات مضنية" وهذا ما يزيد من إحساسي بالخوف على مستقبل وطني إذا كان نتاج عملكم الدؤوب مثل هذه الإتفاقية المغايرة لتوقع كل أردني يغار على وطننا. وإن إتهام الهيئة لي "بالتجزئة" فهو لمردود عليهم كون تصريحهم وردهم كان هو متجزئاً فلم يجب عن سبب وجود غرامات على الأردن بعد نفاذ مدة الإتفاقية والتي سمتها الهيئة الذرية "إجراء تسوية مالية". فلماذا لم ترد الهيئة عن الغرامة على 25% من كميات اليورانيوم الغير مكتشفة ومن سيقرر ما هي الكمية الغير مكتشفة وكيف ولماذا نغرم عن شئ غير مكتشف وغير موجود!! ولماذا علينا دفع غرامة إن تم إلغاء الإتفاقية من قبل الأردن مبكراً وبقيمة تعادل ضعف ما تدعي شركة أريفا الفرنسية بأنها صرفته بالتنقيب وليس بقيمة المصروف فعلا فقط !؟ ولماذا تمتاز أريفا بالمعلومات وتحتكر منطقة التنقيب إحتكاراً كاملاً وتمتلك البنية التحتية التي ستبنيها ؟؟ ولماذا لم ترد الهيئة عن ترحيل وإعادة توطين السكان بدون ذكر واضح لآلية التعويض وعن موافقة السكان للترحيل وهم أردنيو بوادينا التي نتعز بها؟؟ ولا زلت لا أفهم سبب إلزام أريفا في إتفاقية التعدين بأن تشارك في عطاء المحطة النووية..!! هل الزمنا المتعهد الذي قام ببناء المطار بأن يقنع شركات الطيران على فتح خطوط طيران للمطار وأن يلتزم متعهد بناء المطار بتزويد الطائرات بالطعام...؟؟
إن ما أشار به تصريح الهيئة الذرية عن دراسة الجدوى الإقتصادية "إن جميع المشاريع في مجال التعدين تبدأ بأعمال التنقيب أولاً ومن ثم دراسة الجدوى الإقتصادية للمشروع" هو في نص تحليلي و مسألتي، فأعيد سؤالي مرة أخرى؛ لماذا تم إستبدال إتفاقية التنقيب الموقعة في 30/9/2008 (والمصادق عليها من قبل مجلس الوزراء) في إتفاقية التعدين والصادرة في 21/2/2010 بدون إصدار دراسة جدوى وهذا يتناقض مع المنطق والعقل وما صرحت به هيئة الطاقة الذرية في ردها بتاريخ 29/6/2011 على مقالتي . أليس السبب هو عدم وجود اليورانيوم بكميات تجارية يسمح إستغلاله بالربح لا بل بالخسارة، كما أفاد بذلك علماء الهيئة الذرية واحد تلو الآخر. إنني أطالب إدارة هيئة الطاقة الذرية الأردنية بالشفافية وبالإفصاح عن ما جاء في تقرير شركة SRK البريطانية والمحايدة (والموجود في أدراج مدير الهيئة) والتي حللت تقارير ونتائج شركة أريفا الفرنسية عن تركيز عينات التنقيب والتي كما سمعت بأن اليورانيوم المتوفر في أخصب منطقة ذو تركيز يقل عن 80 جزيئ بالمليون وهذا غير مجدي نهائياً حيث المجدي عالمياً وإقتصادياً (وشرط وارد بالإتفاقية) أن لا يقل عن 250 جزيئ بالمليون.
على هيئة الطاقة الذرية الأردنية أن تعلل للشعب الأردني لماذا نصت بالفقرة 5-3 "بأن يكون لشركة التعدين الحق (وليس عليها الإلتزام) بالمضي قدماً في دراسة الجدوى.... في حال عدم إحتواء قانون التصديق، على البنود المرغوب فيها" وهل هي رغبة الفرنسين بالبنود أم رغبتنا الأردنية التي يجب أن تغلب!!
أرتجف رهبة عند قراءة نص التمويل الخارجي للإتفاقية حيث أن التمويل من المؤسسات المالية على أساس "عدم الرجوع على المساهمين أو الرجوع المحدود" على شركة التعدين. فإن أشهرت الشركة إفلاسها أتمنى أن لا يصيبنا نحن بالأردن من شظايا الإفلاس ويصبح الأردن المسؤول عن دفع هذه الديون. الإتفاقيات والإجراءات الدولية ترغم أي شركة يتم التوقيع معها على التعدين بأن تقوم الشركة بتخصيص مبلغ ما من المال يتفق عليه قبل التوقيع على إتفاقية التعدين ويودع بحساب واضح في بنك وطني ويكون هذا المبلغ مخصصاً لأي مطالبات مالية قد تنتج بالقضاء (قضايا تلوث وسرطانات) ويصبح مخصص لإعادة تأهيل الأراضي وهذا لم نراه نهائياً بإتفاقية التعدين.
يكثر حديث الحراك الشعبي المناوئ لإنشاء المفاعلات الذرية في الاردن عن جدواها الاقتصادية ومخاطرها البيئية، إضافة الى اختيار موقع المفاعلات. في المقابل، فإن بعض المراقبين للبرنامج النووي الأردني يرون بأن المشروع قد يحول الأردن إقتصاديا واجتماعيا وتقنيا الى مصاف الدول المتقدمة، ويتفقون أن ذلك لا يتحقق إلا إذا توفرت عدة شروط أهمها حسن التخطيط والتنفيذ والإدارة لهذا البرنامج والتي من الواضح مما جاء مني بأعلاه بأنه بعيد المنال.
من الواضح الآن أن القائمين على تنفيذ البرنامج في هيئة الطاقة الذرية الأردنية قد أخفقوا في تلبية الطموحات ورؤى جلالة الملك، من حيث وضع الأسس والخطط التنفيذية بشكل مقنع، علما بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا قد وضعت المعايير العامة التي يمكن الاسترشاد بها عند تنفيذ اي برنامج نووي سلمي في أية دولة.
إن من أهم أسباب بوادر الإخفاق في البرنامج هو انفراد إدارة هيئة الطاقة الذرية الأردنية في صناعة القرار، يرافقها نزق وتخبط ومزاجية في اتخاذ القرارات والمثبت في إنتقال مفاجئ للموقع، إضافة الى إصرار وتمسك بأمور تخالف الواقع في كثير من النواحي. أوهمتنا إدارة الهيئة بأن هناك مخزونا كبيرا من خامات اليورانيوم التي يمكن استغلال ريعها لبناء المفاعلات الذرية، وذلك مغاير للحقيقة والدراسات التي ترفض نشرها.
أما محور التركيز هنا فهو قرار نقل موقع المفاعل النووي. لقد تم اختيار الموقع أولا في منطقة جنوب الاردن (العقبة) من قبل لجنة وطنية شملت جميع الوزارات والمؤسسات المعنية، تبعه قرار غير واضح سببه بنقل الموقع إلى منطقة المفرق، دون التأكد من مدى ملائمة الموقع الجديد من حيث المبدأ، لإقتراحه كمكان لبناء المفاعلات الذرية عليه، وذلك حسب الأسس والشروط المعمول بها عالميا. لقد سمعت عن إعتراض لمدراء في الهيئة على نقل الموقع الى منطقة المفرق بدون إجراء الدراسات المحلية الأولية اللازمة، ودون التأكد من حيث المبدأ من احتمال ملائمة الموقع الجديد لبناء المفاعلات الذرية عليه، من حيث تواجد كميات كافية من مياة التبريد، وبعده عن السكان وغيرها من الاعتبارات. وبناء على هذه المعطيات، يبدو هنالك رفض من المدراء المعنيين بالهيئة على الأمر التغييري على عطاء دراسات الموقع مع الشركة العالمية المكلفة، لعدم قناعتهم بالموقع الجديد من جهة، ولعدم مراعاة أسس وشروط العطاءات الحكومية في الأوامر التغييرية من جهة أخرى.
بعد أن تم إقصاء الدكتور ماهر حجازين من إدارة سلطة المصادر الطبيعية وإرساله كمستشار لرئاسة الوزراء وذلك بسبب تقاريره المستمرة الرافضة لخطط هيئة الطاقة الذرية عن المفاعل النووي نفاجئ بأنه تم الآن إعفاء مدير موقع المفاعلات الذرية من منصبه، وإنهاء خدماته في الهيئة، لعدم قبوله بالتوقيع على الامر التغييري المخالف فنياً ومالياً للأصول.
لقد ادى هذا التخبط والعشوائية في اتخاذ القرار الى هدر سبعة ملايين دولار على الاقل، على الدراسات التي أجريت في جنوب الأردن، تبعته كلف مالية أخرى ناجمة عن الانتقال الى الموقع الجديد في منطقة المفرق والذي لا يفي بمتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من حيث عدم توفر مصادر مياه دائمة، علاوة على وجود كثافة سكانية عالية قامت بإعلان رفضها القاطع لهذا المشروع على أراضيها، وأيضا لتعذر نقل الاجزاء الضخمة للمفاعل إلى الموقع كون النقل يستحيل من ميناء العقبة. فهل يعقل ما أذيع عن إغلاق العروض وتم إستقبال ثلاثة منها لموقع غير موجود وغير موافق عليه؟؟ لم يحدث بالتاريخ المعاصر بأن تطلب عروض لمخططات معمارية وإنشائية لموقع غير معروف على مقدمي العروض ولا على صاحب المشروع...!!!
باسل برقان
ناشط بيئي وإنساني