أن عصر العولمة أو بما يُعرف ب Globalization هو موضوع قديم جديد وهو بإختصار شديد تعزيز التكامل بين مجموعة من المجالات المالية والتجارية والإقتصادية والتكنولوجية لربطها محلياً وعالمياً من خلال إنتقال المواد الخام والسلع المصنعة والمواد الغذائية والخدمات المتنوعة والتدريب والتكنولوجيا من خلال الشركات والمؤسسات من محلي إلى عالمي.
نتيجة لما تعرض له العالم خلال الثلاثين شهراً الماضية من خلال جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية اللتين إنعكستا على نتائج العولمة ومفاهيمها, نتيجة لتوقف سلاسل الإمداد وتأخيرها وزيادة أسعارالشحن العالمي والدعم اللوجستي كل ذلك أثرعلى إنسياب البضائع والسلع والصناعات والمواد الغذائية وتمويل المشاريع وتقديم الخدمات المتنوعة بين دول العالم .
فعلى سبيل المثال لو كانت المواد الخام لصناعة معينة خاصة بشركة ما موجودة بدولة على الجانب الآخر من الكوكب فإنها بلا شك ستتأثر عملية إنتقالها للدولة المصنعة بسبب إرتفاع أسعار نقلها أو تأخير وصولها , وكذلك إنتاج قطع إلكترونية لجهاز أو منتج كرقاقة إلكترونية في دولة ما لرخص الأيدي العاملة المدربة المهرة فيها سيتأثر نقلها إلى الشركة الأم ,وأيضاً تزويد مواد غذائية إستراتيجية من منطقة معينة ونقلها إلى بقاع مختلفة في أنحاء العالم,أو نقل مخزون من مستودعات الشركة الإنتاجية في دولة ما إلى مناطق أخرى لسد إحتياجات السوق هناك, أو عقد دورة تدريبية متخصصة في منطقة تعذر الوصول اليها, أو تمويل مشاريع جزئية لشركة كبرى أو التوسعة في مشاريعها الإستثمارية سيتأثر بسبب الحرب أو الحضر المصرفي وإنسياب الأموال بين الدول قد يؤدي إلى توقف هذه المشاريع التابعة للشركة الأم مما يؤثر على الإنتاج والإقتصاد والصناعة, أو تقديم خدمات عالمية من صيانة وتحديث وتوسعة في مناطق معينة كلها جميعاً ستتأخر وترتفع أكلافها أو قد تتوقف تماماً, مما يؤدي إلى خسائر عالمية فادحة تؤثر على الإقتصاد العالمي والمحلي لتلك الدول وفقدان الوظائف والشُح في الحصول على السلع المتنوعة وخصوصاً الغذائية وسيتأثر الإستثمار وتقل نسب النمو لتلك الدول وبالتالي سيقل الناتج القومي المحلي والعالمي .
هذه بعض الأمثلة لتوضيح الأثر المباشر لجائحة كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية, وللتوضيح أكثر هناك اليوم 20 مليون طن من القمح في أوكرانيا مُعدة للتصدير لن تتمكن لغاية اللحظة من الخروج من الموانىء الأوكرانية للعالم بسبب الحرب.
لذلك البديل هو ما يعرف بالأقلمة Regionalization بحيث تعتمد كل دولة على نفسها أو على دول الجوار الملاصقة والمشتركة معها بالحدود البرية والبحرية, وذلك لضمان حصولها على التكامل المالي والتجاري والصناعي والخدماتي والتكنولوجي.
إن القمة الثلاثية الأردنية – المصرية - العراقية والتي تشكلت عام 2019 بنظرة ثاقبة من قبل جلالة الملك ومتابعة حثيثة لمخرجاتها من قبل الحكومة الرشيدة هي خطوة بالإتجاه الصحيح لتفادي تبعات أي جائحة أو حرب يتعرض لها العالم, فتفعيلها بالشكل الصحيح يؤدي إلى خدمة شعوب البلدان الثلاث اقتصادياً وتجارياً وصناعياً وتكنولوجياً وزراعياً وخدماتياً , حيث بلغ مجموع عدد سكان هذه الدول الثلاث 153 مليون نسمة لعام 2021 ويشكلوا 35%من تعداد سكان الوطن العربي لنفس العام.
فما نأمله بالمستقبل القريب إنضام دول القمة الثلاثية إلى دول مجلس التعاون الخليجي الذي يبلغ مجموع سكانهم 51 مليون نسمة لعام 2021 ليشكلوا وحدة اقتصادية كُبرى بمجموع سكاني 204 مليون نسمة أي ما يساوي 47% من عدد سكان الوطن العربي وبمساحة كلية 4.1 مليون كيلو متر مربع مايعادل 30% من مساحة الوطن العربي والبالغة 13.5 مليون كيلو متر مربع ,أو يكون البدء على أقل تقدير بإنضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي في هذه المرحلة, فأنت تستطيع أن تركب سيارتك وتتوجه إلى أي دولة من دول التحالف هذه دون أي معوقات سياسية أو تأثر بأي حرب في أي منطقة بالعالم أو إغلاق لميناء أو لمضيق, وهذا ما ينطبق على إنسياب البضائع والمنتجات الزراعية والصناعية والتجارية والخدماتية والتكنولوجية بين هذه الدول.
إن أهداف جمة ستتحقق لكل الأطراف من خلال إستراتيجية مزدوجة الربح أو بما يُعرف Win-Win Strategy فعلى سبيل المثال يمكن الإستثمار بزراعة المحاصيل الإستراتيجية في سهول الأردن والمنتجات الغذائية المبكرة في غوره نتيجة لمناخ الأردن المعتدل لتستفيد منها هذه الدول بعد تغطية السوق المحلي الأردني, لا أن ينتظروا وصول المحاصيل الزراعية الإستراتيجية من مناطق الحرب وبأسعار باهضة الثمن وبكميات أقل من المطلوب , إضافة إلى تأمين السوق المحلي الخليجي بالأيدي العاملة الأردنية لا أن يتم الإعتماد على العمالة من شرق آسيا وخصوصاً أن هناك الآن تداعيات أزمة بين أمريكيا والصين قد تهدد بنشوب حرب بينهما في أي لحظة مما يؤدي إلى توقف كامل لسلاسل الإمداد لدول الخليج وإنتقال العمالة إليها, إضافة إلى الإستثمار والتنوع بعملية تصدير المشتقات النفطية وبقية الصادرات وإستخدام ميناء العقبة والحدود الشمالية للأردن كبوابة لهذه الدول إلى أوروبا في حالة الاستيراد والتصدير, وكذلك الإستفادة من التقدم الطبي في المملكة والخدمات المقدمة للمرضى لسهولة الإجراءات والتنقل خصوصاً في الوضع الحالي, والخبرات الأمنية وكادرها البشري ذو الحرفية العالية والمتميّزة على مستوى العالم, والإستفادة من الكوادر التعليمية المؤهلة من معلمين وأساتذة جامعات ومعاهد ومؤسسات تدريب مهني, إضافة إلى الحرفيين والمهنيين المبدعين ,ناهيك عن السياحة بين مجموعة هذه الدول مع الأردن, وكذلك إستقطاب الرياديين والمبتكرين من الطلبة الأردنيين ودعمهم للخروج بشركات وصناعات مميزة قادرة على المنافسة على مستوى العالم.
إن ما سبق يدق ناقوس الخطر للتوجه إلى Regionalization لما له من فائدة تضمن الإنسياب الإقتصادي والتجاري والصناعي والمالي بدون إعتماد على سلاسل تزويد عالمية معقدة أو إغلاقات لمعابر دولية هامة تتأثر بها شعوبنا من حرمان سلع وخدمات أساسية , كل ذلك سيصب في مصلحة شعوب هذه البلدان من تحقيق النمو الإقتصادي وتوظيف الأيدي العاملة وزيادة الناتج القومي الإجمالي والتوسع في الإستثمارات خصوصاً للدول الخليجية.
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية
مستشار مجموعة DDL الأمريكية-CDAG
mhaddadin@jobkins.com