مهدي مبارك عبد الله - بعد تعمق أزمة الاحتلال وفشله الذريع في ضم القدس في ظل الصمود الأسطوري للمقدسيين وحفاظهم على جميع مظاهر عروبة القدس وهويتها وانتصاراتهم المتواصلة في الدفاع عن ارضهم ومقدساتها والتي كان آخرها انتصارهم في معركة رفع العلم الفلسطيني في ربوع العاصمة المحتلة وتحديهم للاحتلال في تشييع جنازة الراحلة شيرين أبو عاقلة والشهيد وليد الشريف
والتي رفعت فيهما الأعلام الفلسطينية بشكل كبير ورددت الأغاني والأناشيد الوطنية وعلت الهتافات للمقاومة ونهجها وخيارها بعد هذا المشهد الصارخ جاء إصرار الحكومة الإسرائيلية على المضي قدما في تنظيم ما تسمى بـ ( مسيرة الأعلام ) في مدينة القدس المحتلة ضمن محاولاتها اليائسة لتصدير أزماتها المتفاقمة إلى الجانب الفلسطيني على حساب الشعب الفلسطيني وقضاياه الوطنية وحقوقه الإنسانية العادلة والمشروعة
مسيرة ما تسمى بالأعلام درج الاحتفال بها منذ عام 1974على يد المتطرف ( يهودا حيزني ) أحد رموز التيار الديني الصهيوني ومؤسس حركة ( غوش امونيم ) الاستيطانية الذي نشط في امريكا بدعوة اليهود للخدمة في جيش الاحتلال ودعم الاستيطان في القدس و بعد وفاته في عام 1992 وتخليداً لذكراه استمرت الاحتفالات بهذه المسيرة
التي ستنطلق يوم غدا الأحد 29 أيار الجاري في يوم القدس العبري من الشق الغربي لمدينة القدس مرورًا بباب العامود ومنه إلى طريق الواد والحي الإسلامي داخل أسوار البلدة القديمة باتجاه حائط البراق يتقدمها الحاخامات والشباب المراهقون بحلقات الرقص والغناء الصاخب وهم يرددون ما يعرف بالنشيد القومي الإسرائيلي والشعارات العنصرية المتطرفة ضد العرب والمسلمين ثم يقومون بالاعتداء على السكان والتجار المقدسيين وفي هذا العام تتزامن المسيرة مع ما يعرف بيوم القدس العبري يوم توحيد القدس وذكرى استكمال احتلال القسم الشرقي من المدينة
بهدف كسب ود الداعشية اليهودية التي تتنامى في المجتمع الإسرائيل وتسيطر على القرار السياسي في دولة الاحتلال رفض نفتالي بينيت رئيس الحكومة المترنحة التي تعيش ازمة سياسية عميقة وتقترب من السقوط مؤخرا طلباً أمريكياً بإعادة النظر في خط مسار مسيرة الأعلام الاستفزازية تحسباً من اندلاع مواجهات بعد تهديد فصائل المقاومة في غزة بأن إسرائيل في اصرارها تخاطر بحرب جديدة
خاصة بعدما قرر بينيت يوم الجمعة الماضي وبشكل رسمي تثبيت خط سيرها نحو البلدة القديمة في القدس وهو ما سيمكن المستوطنين من اقتحام منطقة باب العامود والحي الإسلامي كما أعلن بينت الأنشطة والتصرفات الاسرائيلية في المسجد الأقصى ستستمر كالمعتاد ما يعني ايضا استمرار اقتحامات المستوطنين وقوات شرطة الاحتلال لباحات المسجد الأقصى لإظهار سيادتهم الوهمية عليه
الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة وما سبقها تعتبر جزءا لا يتجزأ من السياسات الاستعمارية التي ينشغل الاحتلال بها لرد اعتباره بعد فشله والمتمثلة برعايته العدوان الإسرائيلي على المدينة المقدسة ومواطنيها ومقدساتها والتحدي السافر للمطالبات والمواقف الدولية والأميركية الهادفة لوقف التصعيد وتهدئة الأوضاع حي تعمل الحكومة الإسرائيلية على دعم ومساندة التحشيد الإرهابي الظلامي الممزوج بخطاب الكراهية والعنصرية الذي تقوم به الجماعات اليهودية المتطرفة بشكل فاضح لتجميع أكبر عدد ممكن من المتطرفين اليهود للمشاركة في المسيرة
بهدف ممارسة اعمال البلطجة والاعتداءات والتخريب داخل أحياء وشوارع وأزقة القدس المحتلة وبشكل خاص في بلدتها القديمة وما يرافق ذلك من دعوات خطيرة لاستباحة المسجد الأقصى المبارك فضلا عن استمرار حصاره والتمهيد التدريجي لتغيير الواقع التاريخي والقانوني القائم فيه ومحاولة الجماعات اليهودية المتطرفة تحويل مشاهد أداء الطقوس التلمودية في باحات الأقصى إلى مشاهد مألوفة ومعروفة
على غرار ما جرى خلال احتفالاتهم بـيوم تأسيس دولة الاحتلال وإحيائهم يوم توحيد القدس أو ما يعرف بيوم القدس حيث أصدر الحاخامات الصهاينة دعوة موحدة لاقتحام المسجد الأقصى واعتبروه تحديا مفصليا في خطوة مشابهة لاقتحامات الفصح العبري والتي تزامنت مع بداية شهر رمضان الماضي بالإضافة الى مطالبتهم الموافقة على تنظيم مسيرات اعلام مماثلة في مدن اللد والرملة وعكا في الداخل الفلسطيني المحتل
التخبط العام في قرارات قادة الاحتلال واضح جدا مع اقتراب موعد مسيرة الأعلام الاستيطانية في مدينة القدس المحتلة خاصة بعد التهديدات الشديدة من المقاومة بالرد الموجع حال تنفيذها وهو ما دفع محكمة الاحتلال المركزية في القدس المحتلة الى التراجع عن بعض قراراتها حيث ألغت السماح للمستوطنين بأداء طقوسهم في باحات المسجد الأقصى خشية من ضربات المقاومة وتفجير الأوضاع وتكرار أحداث العام الماضي التي أدت إلى حرب طاحنة بين الاحتلال والفلسطينيين في اطار مواجهة المقاومة للقمع والظلم والاستبداد الإسرائيلي
الإرهابي المتطرف نفتالي بينت الذي يتبنى التوسع الاستيطاني ويعمل لصالح المستوطنين المتطرفين يتحمل المسؤولية الكاملة والمباشرة عن كل نتائج وتداعيات هذه المسيرة الاستفزازية والتي تعكس حقيقة تبني حكومته غير المحدود لجميع أشكال الاعتداءات الاستفزازية الاستيطانية التهويدية التي تتعرض لها الأماكن المقدسة عبر سياسة رسمية معتمدة تهدد بدفع موجة الصراع نحو مربعات حرب دينية لا يمكن توقع نتائجها وتداعياتها خاصة وأن الاحتلال لا يحق له التدخل بشؤون المسجد الأقصى وعليه أن يرفع يده عنه وألا يحتك بالمصلين فمن حق كل مسلم الرباط والتواجد في الأقصى متى شاء دون اي شروط
المطلوب وطنيا من كافة أبناء الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وغزة والداخل الفلسطيني المحتل والشتات مواجهة المسيرة الإرهابية بتكثيف الاحتشاد والرباط في باحات المسجد الأقصى خاصة في يوم المسيرة المزعومة واعتباره ( يوما وطنيا للدفاع عن الأقصى ) بالنفير العام والعصيان المدني والخروج إلى الشوارع ورفع العلم الفلسطيني والاشتباك المفتوح مع الاحتلال في نقاط التماس وتنظيم التظاهرات والاعتصامات الشعبية أمام سفارات الاحتلال في مختلف الدول
ومطالبة الأنظمة العربية والإسلامية التي لديها علاقات مع الاحتلال بقطعها والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني بهدف منع المستوطنين من تحقيق مآربهم بتدنيس الأقصى وعلى الدول العربية والإسلامية ذات التأثير وعلى رأسها الشقيقة مصر التدخل العاجل للجم سلوك الاحتلال الإجرامي ( لا نريد مجرد بيانات شجب واستنكار وقرارات لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به ) لان عواقب المخطط الصهيوني لاقتحام الأقصى ستكون وخيمة ولن تبقى محصورة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بل ستشعل المنطقة بأكملها وان استمرار العبث بمصير القدس سيقود الى حرب إقليمية حاسمة وأن زوال المقدسات الإسلامية والمسيحية سيؤدي الى حتما الى زوال دولة الاحتلال
الفصائل الفلسطينية من خلال الغرفة المشتركة في حالة انعقاد دائم تراقب وتتابع عن كثب كل ما يصدر عن الاحتلال وتحمله تبعات ما سيصاحب هذه المسيرة من ردود افعال كما تؤكد أنها لن تبقى صامتة في حال ذهبت الأمور باتجاه تجاوز الخطوط الحمر في الأقصى ومحيطه وقد حذرت الفصائل من ارتكاب أي حماقة بالسماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى وأنها لن ولن تسمح للاحتلال بتنفيذ مخططاته
كما انها لن تترك المرابطين وأهل القدس وحدهم في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه ولن تتراجع عما حققته في معركة سيف القدس وأن أن هذا المخطط سيكون برميل بارود سينفجر ويشعل المنطقة بأكملها وان كل الساحات جاهزة لكل الخيارات للرد على اي اعتداءات لقطعان المستوطنين على القدس وأهلها ومقدساتها وأن المعركة ليست مرهونة بحدث هنا او هنالك بل هي مفتوحة وممتدة زمانيا ومكانيا على أرض فلسطين حتى التحرر من براثن الاستعمار الصهيوني
في المقابل أجهزة الأمن الإسرائيلي وفي تحدي كبير للوجود والهوية العربية الفلسطينية لمدينة القدس أوصت بعدم تغيير خط سير مسيرة الأعلام لان ذلك سيفسر فلسطينيا على أنه ضعف إسرائيلي حيث قرر جيش الاحتلال ولأول مرة منذ معركة سيف القدس دعم الآلاف الشرطة المتواجدين في المدينة بثلاث سرايا من قوات الاحتياط وعشرات الجنود من قوات حرس الحدود للتعامل مع الأحداث المتوقعة خلال مسيرة الأعلام
وفي ذات السياق استبقت سلطات الاحتلال موعد إقامة المسيرة بالتضييق على المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى ومنع الدخول للبلدة القديمة وتنفيذ حملة استدعاءات واعتقالات واسعة في القدس وأم الفحم لعدد من الشباب والطلاب وهي تستعد منذ ايام لاحتمال تنفيذ عمليات مسلحة او إطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة ولهذا قام الجيش الإسرائيلي مؤخرا بإقامة غرف محصنة في شوارع مدينة سديروت القريبة لقطاع غزة تحسبا لتدهور الأوضاع الأمنية بسبب المسيرة ولا يفوتنا ايضا التوقع بإمكانية حدوث مواجهات عنيفة في معظم المدن الرئيسة في أراضي الـ 48 كما حصل في العام الماضي
كل التطورات والتوترات والتصعيد الحاصلة في المنطقة والإقليم تؤكد بأن لحظة الانفجار الكبرى باتت قريبة وتنتظر من يسحب الصاعق فهل ستكون مشكلة القدس وتدنيس الأقصى والمسيرة الاستفزازية المفجر المنتظر خاصة بعدما دعا رئيس منظمة لاهافا الصهيونية المستوطنين الى هدم قبة الصخرة المشرفة وبناء الهيكل المزعوم فيما يسمى بيوم توحيد القدس الكبرى
الحق الفلسطيني لن يضيع مهما طال الزمن أو قصر والشعب الفلسطيني سوف يستمر في النضال والمقاومة حتى تحقيق أهدافه الكاملة ولن يسمح للمستوطنين بفرض سياسة الأمر الواقع وأن قضية القدس كانت وستبقى قضية وطنية وأن الحرم القدسي رمز وطني عظيم وذو قيمة وطنية ودينية وتاريخية وعلى الاحتلال الإسرائيلي أن يستوعب دورس التاريخ جيدا ليفهم أن الشعب الفلسطيني وقيادته عصيون على الانكسار والهزيمة
وستظل القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية توحد كل أطياف الشعب الفلسطيني تحت رايتها الجامعة وعلى حكومة الاحتلال التي تسعى الى تأجيج الأوضاع وإيهام العالم بأنها تسيطر على مدينة القدس التراجع عن هذه المسيرة الاستفزازية قبل فوات الأوان وتفاقم الأوضاع وتحولها إلى مسار جهادي دموي لا أحد يريده الان مع تزايد الايمان المطلق بالقدس الشرقية ستبقى عاصمة دولة فلسطين الابدية المستقلة
الفلسطينيون اليوم بحاجه ماسة في ظل هذه الظروف العصيبة والخطيرة الى تمتين أواصر وحدتهم الوطنية ونبذ خلافاتهم الداخلية وتحقيق مشروع المضالحة وتوجيه بنادقهم الى صدر العدو من اجل التصدي لهذه العملية المستفزة التي تحاول إهانة الشعب الفلسطيني في كل العالم
الذي ينتظر عدة سيناريوهات محتملة لتطور الاحداث وردود افعالها في حال تجاوز الاحتلال الخطوط الحمر فان المواجهات ستبدأ من القدس وربما مع قطاع غزة في مواجهة عسكرية متواصلة قد تؤدي إلى اشتعال انتفاضة جديدة في كل ارجاء الضفة الغربية لا أحد يعرف أين وكيف ستنتهي
mahdimu.barak@gmail.com