سلامة الدرعاوي - من حق المواطن أن يعزف عن شراء أي سلعة يعتقد أن سعرها أعلى مما تستحق، ومن حقه أيضا أن يقاطع ما يشاء إذا شعر أن هناك ممارسات غير قانونيّة تضرّ بآليات السوق، وتعتمد على الاحتكارات والهيمنة في قواعد العرض والطلب.
لكن حملات المقاطعة التي ينادي بها البعض خلال الأيام الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالدواجن أمر يحتاج إلى نظر وتأن، فالأمر ليس كما يقال أو ما يشاع حول الأسس الحقيقية التي تدفع لمقاطعة منتج محلي، فالدعوة لمقاطعته في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار على المستوى العالمي أشبه ما يكون بالانتحار الذاتي الذي تقوم به المجتمعات في ضرب قطاعات حيوية تشكّل عمادا أساسيا في الأمن الغذائي الوطنيّ.
الأمر يحتاج لتعقل وحوار منطقي في نقاش قضية مقاطعة الدواجن هي وغيرها من السلع المحليّة، فأسعار العلف الخاص بالدجاج اللاحم ارتفع خلال عام من 380 دينارا للطن، إلى 580 دينارا للطن، في حين قفز سعر الأعلاف الخاصة بدجاج البيض من 180 دينارا إلى 400 دينار، فأمر طبيعي أن ترتفع أسعار الدواجن والبيض مثلها مثل باقي أسعار السلع الأساسيّة التي شهدت ارتفاعات غير مسبوقة.
في الأردن لدينا 9 شركات كبرى للدواجن، باستثمار مالي يناهز المليار دينار على أقل تقدير، يعمل بها 12 ألف أردني، وهناك ما يقارب الـ200 مزرعة دواجن، يعمل بها أكثر من 8 آلاف عامل يغطون كامل احتياجات المملكة من الدواجن والبيض، فالأردن لديه اكتفاء ذاتي، بل يزيد على الـ120 % من احتياجاته من هاتين السلعتين، وبالتالي فإن الدعوة لمقاطعة هذا المنتج المحلي فيها ضرر اقتصادي كبير على استقرار الأمن الغذائي الوطنيّ.
الدعوة لمقاطعة الدواجن والبيض المحلي، فيها نفس واضح لدعوة الحكومة لفتح باب الاستيراد للدواجن والبيض من الخارج، رغم أن أسعارهما في الخارج أعلى بكثير مما هي عليه محليا، وهذا يعني ببساطة أن تدخل المنتجات الأجنبية للسوق المحليّة وتقوم بضرب المنتج الوطنيّ وإلحاق الأذى به وبالاقتصاد الوطنيّ، دون أن يعود ذلك بأي فائدة أصلا على المستهلك الذي سيبقى تحت وطأت ارتفاعات الأسعار العالميّة.
نعم هناك لوبي في المجتمع يرغب بفتح سوق الدواجن على مصراعيه للاستيراد الخارجيّ لضرب المنتج المحليّ تحت حجج أن الأسعار ارتفعت، وهم يعلمون أن موجة الارتفاعات الراهنة في الأسعار شاملة لكل السلع والخدمات إضافة إلى الارتباك في سلاسل التوريد في كل الاقتصاديات العالمية وليست مسألة محصورة في الأردن.
كل الدول تحافظ على منتجاتها المصنعة محليا لا بل وتتشدد في حمايتها خاصة في هذه الظروف الراهنة، وكل دعوات لمقاطعة المنتج المحليّ خاصة في ظل الحالة الجنونية الراهنة لمستويات الأسعار عالميا فيها تضليل وإلحاق أذى بالمستهلك، فكيف هو الحال بارتفاع أسعار الزيوت والحبوب بأنواعها المختلفة والطاقة وكلف الشحن، هل ستكون هناك أيضا حملات مقاطعة لهم؟، وما هي انعكاس ذلك على الأمن الغذائي للمواطن والمستهلك؟، وأثر ذلك على الاستقرار الغذائي في الدولة؟.
وزارة الصناعة والتجارة قامت بجهود جبارة خلال شهر رمضان لضبط الأسعار في هذا الشهر الفضيل الذي تترتب فيه على الأسر الأردنيّة أعباء ماليّة كبيرة نتيجة للالتزامات المختلفة التي تترتب على الأسر في هذه الفترة، وقد لجأت الوزارة لحماية المستهلك لتسعير بعض السلع ومنها الدواجن، وتعاونت الشركات مع الوزارة وتحملت خسائر نتيجة الكلف الكبيرة في المواد الأساسية لها مثل الأعلاف والنقل والشحن، وتم تأمين وتوفير كافة احتياجات السوق من الدواجن وغيره بكل سلاسة في رمضان، لكن التسعيرة تبقى وسيلة استثنائية وليس إجراء عاما أو سلوكا رسميا للوزارة، فهي وسيلة لضبط إيقاع السوق وتحقيق التوازن وحماية المستهلك من أي سلوكيات غير قانونية في آليات السوق فقط، أما مواجهة ارتفاع الأسعار العالميّة فهي مسألة خارج قدرة الحكومة التي ما زالت رغم العجز المزمن في ميزانيتها إلا أنها تقوم بدعم العديد من السلع بمخصصات كبيرة ساهم في ارتفاع العجز مثل الخبز والغاز.
وزارة الصناعة والتجارة تقوم بوظيفتها في تأمين احتياجات السوق من السلع الأساسية، ولا تتدخل في التسعير إلا في حالات محددة فقط، وعلى المستهلك أن يكيف سلوكه الاستهلاكي خلال السنوات المقبلة التي كانت المؤشرات تدلل على أن الأسعار ستبقى مرتفعة عالميّاً، ومن واجب مؤسسات وجمعيات حماية المستهلك أن تزيد في عمليات التوعية الاستهلاكية للمستهلك الذي هو بأمس الحاجة إلى إرشاد وتوعية في سلوكه الاستهلاكي خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تشهد جنونا في الأسعار على المستوى العالميّ.