زاد الاردن الاخباري -
ناموس : أي قانون .
الحركة : أعني بها حركة المسلمين في مرحلة الحياة عبر الزمن نحو محطة المصير.
فحركة البشرية نحو محطة المصير - بشكل عام - إذا لم تكن وفق الناموس والقانون الذي صاغه الدين هيمنت على الناس الشياطين، فلا غنى عن الفقه السياسي الذي ترتب على أساسه شبكة علاقاتنا الإجتماعية والسياسية .
لقد كتبت سابقا الجزء الهام من الإجابة على السؤال الذي سأله الدكتور جاسم سلطان في أحد محاضراته .
( هل هناك نموذج مختزن في القرآن الكريم للنظام السياسي؟ )
لقد بينت النموذج المختزن في القرآن وخطوطه العريضة وبعض تفاصيلها في مقال ( أولي الأمر الغائبون المنسيون )، كما بينته في مقالات أخرى، وفي هذا المقال أبين الشيء الهام من النموذج السياسي المختزن في القرآن الكريم … يتبع
نحن وناموس الحركة ( 2 )
قال تعالى ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) الإسراء.
سبحان الله وبحمده.
إن التسبيح له ثلاث صور، التسبيح الفكري، والتسبيح القولي - أو اللفظي -، والتسبيح العملي.
* التسبيح الفكري هو إعمال الفكر والعقل في التدبر والتفكر والتأمل من أجل معرفة الحق والحقيقة، أو التفكير من أجل إدراك عظمة الخالق أو لفهم الكون والمخلوقات، وإشغال الفكر في البحث عن الأعمال التي تقرب من الله عز وجل وترضيه.
* التسبيح اللفظي يكون بتنزيه الخالق عن النقائص والشهادة له بالكمال ويكون بذكر محامد الله عز وجل في اللسان، وقد يكون الذكر في الصدر، أي ذكر وتسبيح باطني خفي… يتبع
نحن وناموس الحركة ( 3 )
* والتسبيح العملي، يكون من خلال عمل المؤمن عملا في اتجاه طاعة الله لكسب رضاه، وبمعنى آخر، أن تكون حركة المؤمن في الحياة حركة متوافقة مع السنن والقوانين التي وضعها رب العالمين وأن يتجنب التصادم معها.
والسبح : أصله العوم ، أي السلوك بالجسم في ماء كثير، والسباحة حركة سلسلة، كالسباحة في الماء، والمؤمن المسبح الذي تحققت فيه الصور الثلاث للتسبيح التي ذكرتها يعبر الزمن بحركة سلسة حتى يصل إلى مرحلة المصير بأمان ويسر، بعد ما يتحقق أمنه الفكري والروحي، كما يعبر السباح المقتدر النهر من ضفة إلى ضفة.
( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ (13)) الليل..
… يتبع
نحن وناموس الحركة ( 4 )
والتيسير للهدى يعني بأنك نلت جوهر الغايات في الأولى، أي في الحياة الدنيا، وهو الرضا، وهو الذي ستناله في الآخرة إذا ما ثبت على نفس المسعى والمسلك والمنهج.
وكذلك كل المخلوقات التي خلقها الله في الكون تسبح، وتسبيحها يكون بحركتها وعملها وفق النواميس والقوانين التي وضعها الله عز وجل، بما فيهم الملائكة التي لا تعصي الله عز وجل ما أمرها وهم يسبحون الليل والنهار.. ( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)) الأنبياء.
والفرق بين الإنس والجن وبين ما في الكون، هو.. أن الإنس والجن مخيرون على الإلتزام بالسنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم والتي وضعها رب العالمين، وأما ما في الكون من كواكب وأقمار ونجوم وشموس وأجرام ومواد...الخ فهي تتحرك كما فطرت عليه، فهي مسيرة وليست مخيرة تحكمها النواميس والقوانين التي وضعها رب العالمين…يتبع
نحن وناموس الحركة ( 5 )
قال تعالى ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة.
وأهم بناء عام يجب أن يؤسس على التقوى هو ( البناء السياسي ) للدولة التي ( سيبنى فيها كل بيت وبناء )، كبيوت الله - المساجد - والبيوت التربوية والبيوت العلمية والبيوت الطبية والبيوت الاقتصادية والبيوت العسكرية والبيوت الفنية والبيوت الإعلامية ...الخ،.. ففلسفة البناء السياسي الإسلامي نستمدها من بصائر الوحي، وعلى هذا الأساس يكون للبناء روح متناغمة ومنسجمة مع فطرة الإنسان ومع ما هو خلق من أجله وكلف فيه ومع روحه التي تتطلع للمثل الأعلى لتسمو إلى أعلى المقامات بعد ما انحدر بها المثل السوء إلى أدنى المقامات الفكرية والروحية … يتبع
نحن وناموس الحركة ( 6 )
( … نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) ) النور.
وفي نفس السياق تبين الآيات علاقة التسبيح العملي بحيازة النورين، ( نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ) النور الأدنى والنور الأعلى، ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال ) والبيوت لا يعنى بها المساجد فقط وكما فهموا من أرادوا محاصرة الدين في المسجد وعدم إخراجه وتطبيقه في واقع الحياة … يتبع
نحن وناموس الحركة ( 7 )
بل هي تعني وكما ذكرت، البيوت السياسية - كمجلس الشورى أو النواب أو المجالس التشريعية الرقابية - والمجالس التنفيذية - والمجالس القضائية، كما تعني بيوت الله - المساجد - والبيوت التربوية والبيوت التعليمية والعلمية والبيوت الطبية والبيوت الاقتصادية والبيوت العسكرية والبيوت الفنية والبيوت الإعلامية ...الخ، ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال ) أي تكون حركة المسلمين فيها في أول النهار وآخره حركة متوافقة مع السنن والقوانين التي وضعها رب العالمين، أي يكون محور دورانهم وحركتهم في تلك البيوت هو أفكار الرسالة، فهي الإطار الذي تتبادل به القيم والأفكار ويعمل بهما، وذلك له نتائج طيبة على الأحوال الفكرية والروحية والنفسية والمادية للمسلمين وعلى الحياة بشكل عام، وعلى أي منتج فكري أو إداري أو إقتصادي أو زراعي أو صناعي أو فني أو إعلامي ...الخ … يتبع
نحن وناموس الحركة ( 8 )
وهي حركة جماعية تتحقق من ورائها المنفعة العامة، وفترة الغدو والآصال هي الفترة الرئيسية للعمل ولحركة المجتمع التي تبدأ في أول النهار وتنتهي في آخره، بما فيها الحركة التجارية التي يجب أن لا تلهي العامل فيها عن ذكر وتذكر الله في عمله، ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) النبأ،.. وهذا دليل على أن ليس المقصود ب ( فِي بُيُوتٍ ) المساجد فقط،.. فالمساجد أماكن للصلاة ولتحفيظ القران ولنشر العلم الشرعي في النهار والليل وليس في الغدو والآصال فقط.
( نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ) أي هناك نور أدنى ونور أعلى، فالنور الأدنى له مسلك للتحصيل وهو المنهج التجريبي ودراسة نتائج التجارب العلمية التي تدرك بالحواس، وهو نور متاح للمؤمن ولغير المؤمن …يتبع
نحن وناموس الحركة ( 9 )
وأما النور الأعلى يتم تحصيله بعد المداومة على الذكر وتذكر الله في كل عمل وعدم التعامي عن الذكر، والتسبيح بصوره الثلاث، وهو يحصل بالذكر والتسبيح الفردي كما يمكن تحصيله بالذكر والتسبيح الجماعي - أي العمل الجماعي - وكما أوضحت ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال ) .
قال تعالى ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)) الأنبياء،.. ومثل ما للشمس والقمر فلك يسبحون فيه كذلك للناس فلك يجب أن يسبحوا فيه، أي يتحركوا فيه ، وهو فلك أفكار الرسالة،.. فمن مسؤولية المسلمين إظهار تطبيقات ذلك لغير المسلمين على أرض الواقع من أجل تقديم النموذج والمثال لحركة الإنسان والمجتمع في الحياة، فالبركة تحل بعد الالتزام بناموس الحركة… إنتهى.
المفكر الإسلامي / محمد عبد المحسن العلي- الكويت