«مسيرة الأعلام الاستفزازية» ليست مسيرة، كما وصفها الاحتلال الإسرائيلي، فقد سبقها وتبعها حالة لا يمكن وصفها إلاّ بالحرب على شعب أعزل، يسعى لحماية الأقصى المبارك، ورغم كل ما قام به وسطاء في اقناع سلطات الاحتلال الاسرائيلي للعدول عن المسيرة ورفع يد الظلم عن الفلسطينيين والمقدسين، إلاّ أنها مضت في استعجالها لساعة الصفر لجعل السلام نسيا منسيا .
مع سبق الإصرار، ارتكبت اسرائيل أمس جرائم بحق القدس المحتلة والمسجد الأقصى وضد الشعب الفلسطيني، دون مراعاة لأيّ قوانين أو شرعية دولية، أو حقوق مشروعة للفلسطينيين والمسلمين بانتهاك حرمة الأقصى والمصلين، وحرمانهم من ممارسة أهم حقوقهم متمثلة في الحق الديني، فكان يوم أمس يوما دمويا .. يوما لا وقت به للحياة، فلم يكن أمام الشعب الفلسطيني والمقدسيين سوى الدفاع والنضال لحماية الأقصى الشريف.. يوما بدأت به الأشياء كما انتهت بالكثير من القهر والظلم والعدوان والتنكيل واستفزازات دفعت بلحظات الظلم لأقصاها.
بالأمس، لم تكتف اسرائيل من اطلاق ما أسمته «مسيرة الأعلام» في القدس، لإحياء ما يسمى يوم «توحيد القدس» وهو ذكرى ضم الاحتلال الإسرائيلي الجزء الشرقي من مدينة القدس بعد احتلاله في حرب حزيران 1967، إنما جعلت منه يوما حزينا مؤلما في تاريخ الشعب الفلسطيني والمقدسيين وكل باحث عن السلام.. يوما استباحت به اسرائيل كل الخطوط الحمراء، جاعلة منه يوما اكتمل بحضوره غياب السلام وانعدامه.
أن يعترف اعلام الاحتلال أن عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى أمس تجاوز 2626، وهذا لم يحدث من منذ عام 1967، هو تلخيص لبشاعة ما شهده الأقصى يوم أمس، وإشارات واضحة بأن تبقى ذكرى هذا اليوم حيّة في عقول وقلوب الفلسطينيين والباحثين عن العدالة والسلام، فما حدث على هذه الأراضي المقدسة لا يصنّف جرائم فحسب، إنما أكثر وأعمق من كونها جرائم، هي حالة الضعيف الذي يحارب ويقاتل من هو أقوى منه بارادته وحبّه لوطنه ومقدساته، هي حالة الضعيف الذي يضع أضخم الأسلحة ليمنع رفع العلم الفلسطيني ولو كان بيد طفل لم يتجاوز العشر سنوات.
الأردن، لم يقف مكتوف الأيدي أمس ولم يكن مراقبا دون أي تحرك، فقد دانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين السماح لمتطرفين وأحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي باقتحام المسجد الأقصى المبارك / الحرم القدسي الشريف، وتحت حماية الشرطة الإسرائيلية، لتجدد تحذيرات الأردن من تفاقم الأوضاع في ضوء السماح بالمسيرة الاستفزازية والتصعيدية في القدس المحتلة.
ما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الوزارة السفير هيثم أبو الفول امس هي الثوابت الأردنية التي يجدد التأكيد عليها دوما، ويضعها أمام اسرائيل وحتى أمام العالم، حتى تبدو الأمور أكثر وضوحا، والحلول أكثر قربا، وانقاذ السلام الذي لم يبق منه سوى البقايا، هي حقائق يجدد التأكيد عليها الأردن بقيادة جلالة الملك، وفي تطبيقها عدالة يحتاجها الفلسطينيون، وتعيد لهم حياة مسلوبة وحقوقا منتهكة.