يخرج كثيرون وينصحون الناس بالتقشف أمام موجات الغلاء التي نراها، خصوصا، انها ليست أردنية هذه المرة، بل تجتاح دول العالم، بما في ذلك الدول الغنية والفقيرة، في الشرق والغرب.
النصيحة التي يتم توجيهها غير مكتملة، كونها موجهة إلى جمهور يعاني أساسا في أغلبه، ولا يفرط في الإنفاق، بل ان أغلب الناس، لا يغطون التزاماتهم، وهذا واقع نعرفه كلنا، والدعوة للتقشف على اهميتها، لا تصلح هنا، لكل الأردنيين، كون أغلبهم في الأساس، لا تكفيهم مصادر دخولهم، ويجدولون ديونهم، فكيف ندعوهم للتقشف أكثر.
لقد كان الأجدى هنا أن نتحدث صراحة عن الطبقة الاقتصادية والاجتماعية ولمن توجه هذه الدعوة حصرا، حتى لا تكون في العموم، مع الاعتراف أن الكل لديه أنماط انفاق تتسم بالخلل.
رئيس الجمعية الوطنية الاردنية لحماية المستهلك الدكتور محمد عبيدات، قال يوم أمس إنه يتوجب على كافة الأسر الأردنية وبكافة طبقاتها ترشيد الاستهلاك وترشيد الشراء والتقشف قدر الأمكان، تماشيا مع الظروف الحالية التي نمر بها والعمل على تخزين ما يمكن تخزينه من السلع المتوفرة حاليا في الأسواق والتي تباع بأسعار معتدلة تتناسب مع قدراتهم الشرائية، وخاصة السلع الموسمية المنتجة محليا مثل القمح والبقوليات والبصل والليمون من اجل استخدامها في فترات أخرى من السنة كما كان يفعل آباؤنا واجدادنا في السابق، وفقا لتعبيراته.
والدكتور عبيدات شخصية مقدرة، إلا أن هذا التصريح تغيب عنه عدة نقاط، أبرزها النقطة التي بدأت بها المقال، أي أن الغالبية غير قادرة على تغطية انفاقها أصلا، فكيف ندعوها للتقشف فوق ما هي فيه من أوضاع لا تخفى علينا جميعا، والنقطة الثانية ان هذه الدعوة على صحتها وأهميتها في المطلق تجنبت حض الحكومة، على إجراءات معينة، مثل الغاء بعض الضرائب والرسوم والجمارك على بعض السلع من أجل تأمين وصولها بسعر معقول، برغم ان الحكومة هنا، سترفض هكذا كلام تحت وطأة حاجة الخزينة للأموال، أصلا، كما أن النقطة الثالثة التي كان يتوجب الاشارة اليها، ترتبط بضرورة إعادة النظر سريعا بكل برامج الضريبة، وضريبة المبيعات، وتغييرها ورفعها على سلع وخفضها على سلع ثانية، بحيث يصير ممكنا شراء بعض السلع وتخزينها إذا انخفض سعرها الحالي، وهو أمر مستبعد بطبيعة الحال.
هكذا دعوة للتقشف تبدو مناسبة في اوساط دخولها جيدة، او مرتفعة، وهي قادرة حتى إذا ارتفعت الأسعار على الشراء والتخزين، وهذا يعني ان الدعوة للتقشف تصنع احساسا غير صحيح، بكون الأردنيين يفرطون في الانفاق، فيما هم يتقشفون بشكل اجباري، بسبب ظروفهم.
من جهة ثانية وحتى نكون موضوعيين، ربما هناك نفقات كثيرة حتى لدى الغالبية المضغوطة ماليا، بحاجة إلى إعادة مراجعة، من التدخين، وكلف الاتصالات، وبعض القضايا البسيطة، وغير ذلك من عادات باتت بالية يتوجب التخلي عنها اليوم، دون أي حرج اجتماعي.
وكـأن الدكتور عبيدات يقر هنا بالحقيقة الكبرى التي نعرفها جميعا، أي عدم توفر حلول، ولا يبقى سوى الحل الوحيد، أي تقشف الشخص المتقشف أصلا، وهو حل صعب بكل تأكيد.
انماط العيش في الاردن، ستتغير اجباريا، وكل صباح نشاهد مثلا عشرات الاف السيارات تتحرك بسائق واحد، الزوج الى عمله بسيارته، والزوجة الى عملها بسيارتها، وربما الابن وغيره، وكلف الوقود المرتفعة سوف تتواصل، وستجد العائلات نفسها هنا مضطرة لانماط جديدة مثل تنقل الافراد بسيارة واحدة، بدلا من هذه الصيغة، وسنرى تغيرات ثانية على مستوى الانتقال من مدارس خاصة إلى خاصة أقل كلفة، أو إلى الحكومة، إذا تواصل هذا الوضع، ونحن هنا نتحدث عن طبقة ثانية، غير الطبقة المتقشفة الغالبة، والتي لا يمكن أن تصبح مطالبتها بالتقشف ايضا.
أي جولة في الأسواق، تكشف عن تغيرات حادة في أسعار السلع، من الغذاء إلى الدواء، وبينهما سلسلة ممتدة، حالنا حال أغلب شعوب العالم، التي تدخل زمنا اصعب بكثير مما مضى.
نحن في اغلبنا نتقشف، في انفاقنا، وحتى عواطفنا الحارة، فماذا يراد منا أكثر من كل هذا ؟.