زاد الاردن الاخباري -
كتب فارس الحباشنة - قرأت ردا من المحامي سليمان فارس النابلسي على رئيس الوزراء الاسبق سمير الرفاعي تعقيبا على تصريحات اطلقها الاخير خلال ندوة عقدت في مؤسسة شومان.
لربما ان حفيد دولة سليمان النابلسي رئيس الحكومة الحزبية اليتيمة في تاريخ الاردن غاب عن رده ان في عهد حكومة جده تم تعريب الجيش و الغاء الاتفاقية الاردنية / البريطانية، عام 56، وهو التاريخ الحقيقي لاعلان استقلال الاردن.
من يعرف قيمة الاستقلال و السيادة ورمزيته الوطنية ، فهذا كاف للاحتفال بحكومة النابلسي لأبد الآبدين .. فهل من المعقول ان حكومة صنعت الاستقلال تنفذ اجندات اجنبية ، و تتقلي تعليمات من الخارج، و تخطط لانقلاب على النظام؟!
واسمحوا لي بالرد على دولة الرفاعي، وان كان رد المحامي سليمان النابلسي يفش الغليل، ولكن ثمة حقائق نابعة من وجدان وطني اردني حر ، ولا بد من ذكرها.
حكومة النابلسي ، نعم عاشت 163 يوما فقط ، و لكنها كانت حفرا عميقا في الوجدان الوطني الاردني ، و مازالت جرحا أليما مشحونا بمعاني أفكار وآلالام وآمال النخبة السياسية الاردنية في عهد المملكتين.
حتى اليوم، مازال نضال الاردنيين السياسي ينصب نحو برنامج سياسي دستوري ديمقراطي .. ونضال سياسي نحو حكومة حزبية برلمانية ، ولكن ليس على الطريقة الرفاعية، واحزاب التفريخ و الخداج ، والولادات القيصرية.
نذكر حكومة النابلسي باعتزازو افتخار ، و نذكر تجربة الحزب الوطني الاشتراكي والذي تم تصفيته فيما بعد، وضم نخبة من السياسيين الاردنيين : عبدالحليم الحمود ، و صالح المعشر ونعيم عبدالهادي و انور الخطيب ، و صلاح طوقان .
حكومة النابلسي ارست قيم وطنية في السياسة الاردنية، حمت الحريات وعززت من مفهومها وقيمتها فكرا وممارسة، وتمتين العلاقة بين الضفتيين، والاعداء لاسرائيل وقوى الاستعمار الغربي وحلفائهم، واتباع نهج التضامن العربي.
وفي سياسة الدولة ، تم تطهير اجهزة الدولة من الحرامية و الفاسدين ، و كانت اشبه بثورة بيضاء اصلاحية . عمر الحكومة الزمني كان قصيرا ، و من الصعب الحكم على برنامجها التنموي و المدني .
واهم ما يسجل لحكومة النابلسي الحرص الزائد على صون الدستور و ترسيم العلاقة بخطوط حمراء ما بين السلطات الثلاث ، و حماية الولاية العامة للحكومة في السياستين الداخلية و الخارجية .
و لربما ان النابلسي اول من نطق في مفهوم الولاية العامة و مضي في تنفيذها . من يقرأ تاريخ الاردن السياسي يتحسر على حكومة النابلسي ، و يتحسر و يعض اصابعه عندما يسمع اتهامات و شتائم بحق قامات وطنية ناضلت من اجل استقلال و سيادة الاردن ، وارساء حكم ملكي دستوري .
ودائما عندما اجادل في الديمقراطية الاردنية و عراقتها و ارثها اعود الى حكومة النابلسي "الفرصة الضائعة" ، و لربما مازالنا حتى اليوم تائهون و حائرون و مترددون في فضاء اردني سياسي يفشل في صناعة اطار للتقدم والتطور السياسي.
لست هنا بصدد الرد على احد .. ولكن اغتنم الفرصة لادعوا اجيالا من طلاب الجامعات و المنخرطين في العمل السياسي بالعودة الى التاريخ ، و قراءة المزيد و الكثيف عن النابلسي و حكومته و حزب الاتحاد الاشتراكي ، وكيف قرر الاردن تعريب الجيش ؟
الحل اردنيا بالديمقراطية ، وما زلت مؤمنا رغم كل المنغصات و المعيقات و المستحيلات ، وما ترسب في مؤسسات الدولة من نهج لليبرالية الجديدة ، فان الديمقراطية هي الاطار الضامن في مسيرة بناء الدولة ، و تفادي قضايا العدالة الاجتماعية و التنمية و حماية الدستور ، و حماية استقلال الاردن ومصالحه العليا .
قبل اكثر من 6 عقود قطعت حكومة النابلسي الطريق على تشوهات ما قبل الدولة ، و العصبيات و الهويات الفرعية القاتلة ،وتطوير الثقافة السياسية اجتماعيا ومؤسساتيا .
و يا ايها الاخوة صدقوني .. ان تاريخ الاردن لم يكتب بعد .. و تعرفون لماذا نحفر و ننبش في الماضي لكي نحمي المستقبل من اعداء الاردن الحقيقين .