تغيب قليلا؛ ثم تعود، أخبار بعض الذين تسللوا لجامعاتنا وأصبحوا أعضاء هيئة تدريس، وأذكر بأنني كتبت في هذه الزاوية ومنذ 15 عاما وحتى اليوم أكثر من 10 مقالات عن هذه الكائنات، والرواية هي نفسها تقريبا، يتحرشون ببنات الناس، الطالبات البريئات الكريمات العفيفات، مستغلين وظيفتهم السامية، التي أصبحت بسببهم مجرد أداة لابتزاز الناس والعبث بحرماتهم وأعراضهم، والغريب أننا في هذا البلد «الأمين» تجاوزنا الكثير من المشاكل والظواهر السيئة وارتقى تفكير الإنسان فيه، بينما ما زالت الصحافة تطالعنا بأخبار هؤلاء الوحوش المنحرفون عن السوية والأعراف والأخلاق.
لا أقول بأنها ظاهرة، وأن أساتذة جامعاتنا هم لا قدر الله من هذه الفئة القذرة، بل أقول إن متسللا واحدا إلى هذه الطبقة يسيء لها، ويسيء لمنارات التنوير في بلدنا الأشم بأخلاق وقيم وأعراف قيادته وأهله ومؤسساته.. وأول من يتضرر من هؤلاء، هم النخبة المحترمة التي تتولى قيادة وتنوير عقول أبنائنا، وكنت وما زلت أتمنى أن تقوم هذه النخبة بموقف، تطالب فيه بتنظيف المؤسسات التعليمية والمجتمع كله من هؤلاء المتحرشين المسيئين، لأن الصمت عنهم وتركهم بلا عقوبات رادعة كما يحدث دوما، سيكون قفزا على العدالة والأخلاق والقانون، ودعما للجريمة والانتقام.
روى لي صديق حادثة حدثت منذ وقت قريب (قبل أسابيع)، تمثلت فيها حالة من القفز فوق العدالة والقانون والأخلاق، وانحياز للواسطة وتفسيخ للمجتمع الآمن، بعد أن قام «نجل» أحد من يعتبرون أنفسهم متنفذين، باختطاف شاب واقتياده الى بيت في مدينة مجاورة لعمان، وتهديده بالسلاح والاعتداء عليه بالضرب، وقيام احدى بنات الهوى من العصابة الخاطفة بالتحرش به، وامتداد رحلة تعذيب هذا الشاب لمدة زادت عن 6 ساعات، قبل أن يتمكن الشاب من الهرب ومطاردته من قبل العصابة حتى وصل لعمان، ثم اختفوا، بعد أن لجأ إلى أحد المراكز الأمنية أثناء مطاردة الجناة له، وعدم استقبال شكواه في ذلك المركز الأمني لأن الإعتداء وقع ضمن اختصاص مديريات شرطة أخرى ولا يوجد خارج المركز تهديد لحياة الشاب المشتكي، الأمر الذي أتاح للمطاردين الهروب حتى من الظروف القانونية الصعبة التي تقودهم لمحاكم كالجنايات وأمن الدولة..
وكان صديقي يحدثني عن الوضع النفسي الذي آل إليه ذلك الشاب، بعد هذه الرحلة القاسية والموقف الغريب النافر عن صورة كل ما عرفنا من أعراف وقوانين وقضاء، حيث قام والد ذلك الشاب المعتدي بالضغط على كل الجهات ذات العلاقة، واستطاع توجيه الشكوى والقضية إلى منحى آخر، فجناية بهذه الخطورة، وعصابة بهذه الجرأة، وأخلاق بهذه الوضاعة، وممارسات بهذه الدرجة من فساد الهمم والذمم، هي مشكلتنا التي تبدد كل ثقة بسكينة وهدوء وأمن، وتبني حالة متراكمة من الرغبة بالانتقام وأخذ الحقوق باليد، بعد أن ينجح الفاسدون بحرف المنطق والحق إلى هذه الدرجة.
ترى ما هو شعوركم حين تعلمون أن شابا سعى لرزقه فعمل عملا يدويا في منزل أحدهم وخسر وقتا وجهدا ومالا، وحين أنهى عمله تلقى هذه المعاملة الإجرامية الوحشية، وكاد أن يفقد حياته، ثم تدخلت الجاهات والوجاهات دون علمه ورضاه فأضاعت حقه، بل وقدمته للقضاء كطرف في خلاف ومشاجرة، قد ينهيها صلح يفرض على الضعيف، لصالح من يعتقدون بأنهم متنفذون منزهون وقافزون فوق الأعراف والقانون.
القضاء النزيه هو كعصا موسى عليه السلام، التي تلقف كل ما يأفكون ويجرمون على مملكتنا وأمننا وحقوقنا، وهذه قناعتنا بقضائنا وقبله بضميرنا وقيمنا وأخلاقنا وأخلاق نظامنا السياسي والاجتماعي.
كافحوهم قبل أن يتكاثروا.