الطبيب الاسترالي جون روبن وارن الحاصل على جائزة نوبل للطب عام 1973، تصور اننا لن نعاني من الامراض المعدية في المستقبل . وكان تصريحه نصيحة لطلاب علم الجراثيم ليتخصصوا في مجال اخر، واكد لهم : لقد انتهى عملنا هنا، و» يقصد المختبرات « .
فرضية الطبيب وارن بقية صالحة للاستهلاك والتداول حتى وصول كورونا كان ثمة امل لدى الانسان بان يعيش الى سن الشيخوخة وذلك امر طبيعي، وان الوفاة بسبب السرطان وامراض القلب والسكري، وحوداث السير، والزهايمر ستكون اكثر بكثير من الاوبئة .
و تعرضت الفرضية لمطبات كبروز فايروس إنفلونزا الخنازير والطيور، ووصولا الى كورونا، وليس ختاما طبعا بفايروس جدري القرود نسخة 2022 . ولا نعرف الاسماء الموسمية لمتواليات فايروسية تهتك بالانسان، كما شغل الايدز الدنيا ثم تنحى لانفلونزا الطيور والخنازير .
و لا يقاس في خطورة الفايروسات بقدر ما تستهدف حياة الانسان والاقتصاد والامن النفسي . فالعالم يتوقف تدريجيا بالحديث عن فايروس كورونا وليتفرغ الى فايروس جدري القرود، وكما لو ان البشرية قد تشافت من كورونا، وان علاج الفايروس موضوع على رفوف الصيدليات، وان الاطباء توصلوا الى علاج مقاوم ومانع لانتشار الفايروس .
في مسالة الاوبئة وحرب الفايروسات ثمة حقيقة صعبة وتقف وراء كورونا من اول ايام ولادتها، وان الفايروس يستهدف الحياة والاقتصاد ويستهدف فلسفة الحياة الطبيعية، وهشاشة الامان الاجتماعي، وكذبة العقائد المركزية واليقنيات المطلقة، وحالة اللاعدالة واللامساواة في الاقتصاد والتنمية والطبابة والدواء «امبراليات طبية « التي تسود الدول الوطنية والكرة الارضية .
عدوى كورونا ليست عضوية وحسية وجسدية، كورونا انتشرت بالاشاعة وفاق انتشارها بخرافات كورونا . وبي بي سي البريطانية رصدت في برنامج بث عبر اثير اذاعتها مئات من الخرافات التي تداولها العالم حول كورونا وسط غياب للشفافية والمكاشفة العلمية والطبية في التعرف على حقيقة المرض، وتذكرون المقولة الشهيرة لوزير صحة وطبيب : بان الفايروس سوف يجف ويموت .
العالم في مواجهة الفايروسات، ويبدو ان متوالية حروب الفايروسات لن تنتهي ابدا . من الطيور الى الخنازير والقرود، والمتوالية مفتوحة، لا تكذب ان سمعت فايروسا للذباب والناموس، وفايروس لجرذان .
وما تابعنا في افلام الخيال العلمي، وكيف هرب الانسان من الكرة الارضية، وكيف غزت جيوش من الفايروسات الكرة الارضية، وحاربت الانسان، وطردته من الارض .. وذلك ليس خيالا دراميا علميا انما حقيقيا وتاريخيا .
الانسان مجازا في خطر.. يفقد الانسان ادميته، ويطرد من فضاء الحرية، ويتحول الى عبد مقهور لفايروس، ويهرب الى ملكوت الضرورة، ومن اقصى الوعي الى قاع الغريزة، ويعيش لكي ياكل وينام، ويعبر من الحياة الى عالم اللحد شانه اي حيوان يموت فقط عندما ينقطع الاوكسجين .
فايروسات تحقب التاريخ الانساني .. نودع فايروس ونستقبل فايروسا جديدا .. من انفلونزا الجنازير والى الطيور والقرود، فما الحكاية اذن ؟ ودع الانسان الجدري والسل والتوفئيد والحصبة، والسحايا والملاريا، ويستقبل ضيوفا جددا من عالم الفايروسات، ويختارون مواسم سياسية كبيرى ليظهروا بها .
يبدو ان الطبيعة عرفت كيف تربي الانسان بغروره ومركزيته الزائفة والمخادعة . وما يصيب العالم اليوم في حقيقة فايروسات سياسية .فكورونا اصابت ملايين البشر بفقدان الحواس والشم والتذوق وحاسة اللمس ايضا، ولربما ما سوف ياتي من فايروسات سيكون اكثر هتكا لوعي الانسان وحقيقة وجوده، فالانسان دمر الطبيعة والمناخ، واعتدى على التوازن الطبيعي، ورفع درجات حرارة الارض وادخلها في ازمة مناخ وتلوث وانحباس حراري .
فهل سيكون الفايروس السياسي القادم انفلونزا الحمير والجحوش والابغال، دعونا ننتظر ماذا تحمل الطبيعة في جعبتها، وماذا ينتظر الانسان من مصير هالك ومجنون ؟