لقد أطلق جلالة الملك يرافقه سمو ولي العهد حفظهما الله من البحرالميت " رؤية التحديث الإقتصادي " التي تُعد خطوة بالإتجاه الصحيح للإنطلاق نحو مئويتنا الثانية وكلنا أمل لتحقيق التقدم والإزدهار الذي نصبو إليه, هذه الرؤية بمثابة خارطة طريق للوصول إلى الأهداف المنشودة حيث إحتوت على مبادرات مقترحة مبنية على أرقام وتوقعات بعد تشخيص الواقع , شارك في إعدادها القطاع العام والخاص وبرلمانيين ومجموعة من المختصين والخبراء ضمن 360 مبادرة إختزلت ل8 محركات لنمو الإقتصاد.
ماذا بعد هذه الخطوة؟ نريد الآن تفعيل لهذه المحركات لنمو الإقتصاد الأردني ليحقق لنا النتائج المرجوة من زيادة في الإستثمارات المحلية والأجنبية وتحقيق نسب نمو مرتفعة والتقليل من البطالة وسداد المديونية لينعكس ذلك على حياة المواطن " مستقبل أفضل", هذه المحركات وغيرها بحاجة إلى تحديث مستمر بما يتلاءم مع المعطيات والمتغيرات والمستجدات الخارجية والداخلية , وبحاجة إلى تحليل دقيق وفق هذه المتغيرات وخطة عمل لتُنفَذ على خطوات أو فترات زمنية لضمان تطبيقها الكامل بالشكل الصحيح لتعظيم مخرجاتها والحصول عليها بشكل فعّال Effective Efficiency:
لقد إعتدنا بالسابق أن تقوم كل وزارة بوضع إستراتيجية لمدة سنتين أو ثلاثة وبعد مضي هذه الفترة نجد أن نسبة الإنجاز الفعلي لا تتعدى 50% ثم تأتي وزارة جديدة لتعدل بشكل بسيط الخطة السابقة مع تغيير الأرقام وخاصة التواريخ وهكذا ... وتتم إدارة الوزارة بشكل يومي دون أهداف وخطط تُطبق بالشكل الصحيح , وخاصة إذا إصطدم المسؤول بمتغيرات تخلق أمامه معاضل تجعله عاجزاً عن إجتيازها أو حتى التفكير بالبدائل لحلها ,فيتم ترحيلها لمن يأتي بعده لتكبر هذه العوائق ويزداد التعقيد في حلها, والمشكلة الكبرى أن الإستراتيجيات التي تضعها أي وزارة لا يتم محاسبة المسؤول عن تطبيقها .
إن الدول المتقدمة لديها طواقم حكومية تنفذ بدقة الخطط والإستراتيجيات وعلى الجانب الآخر لديها من يعمل بالظل لوضع هذه الخطط ومتابعة تنفيذها وتذليل العقبات أمامها في ظل المتغيرات العالمية والمحلية وإيجاد الحلول البديلة بأقل جهد ووقت ومال عن طريق تقديم النصح والإرشاد للجهاز الحكومي,ويعرفون بإسم المخططين الإستراتيجيين:Strategic Planners فلا تستغرب أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية مخططون إستراتيجيون ذوي إختصاصات لديهم الخطط لثلاثين عاماً قادمة في المجالات الإقتصادية والتكنولوجية والزراعية والتجارية والسياسية والصناعية والتعليمية والطبية يتم تحديثها والعمل عليها سنوياً وفقاً للمتغيرات العالمية والمحلية ولديهم مدراء في الحكومة ذوي خبرات وكفاءات يعملون لإنجاح تلك الخطط وتطبيقها بنسب نجاح عالية جداً ويتم محاسبتهم في حالة فشلهم, هكذا تنجح الدول وتزدهر وتتقدم.
وواقع الحال في الدول النامية يختلف تماماً حيث تجد الخطة لكل وزارة مبنية على ثقافة وفهم وتخصص المسؤول ومدى نظرته الشمولية للأمور فكم من مسؤول يطبق خطة معينة وبنصف الطريق يأتي مسؤول آخر ليلغيها تماماً ,إضافة إلى مسؤولين يضعون أهدافاً ويعلنوها وهي في الواقع صعبة التحقيق أو أن الوصول إلى تحقيقها يحتاج إلى أضعاف الزمن الذي قدروه,فلو تم محاسبة المسؤول في هذه الدول عن عدم تنفيذه بما إلتزم به لما وصلت لهذه الحال.
إننا في الأردن ولضمان نجاحنا كالدول المتقدمة في وضع وتنفيذ خططنا وخصوصاً الإقتصادية منها لحل المشاكل التي عانينا منها طويلاً لمساعدة المسؤولين في تنفيذهم لهذه الرؤية وغيرها من المبادرات والرؤى المستقبلية أقترح تشكيل إدارة مستقلة عن الحكومة تتمتع بإستقلال مالي وإداري داخل الديوان الملكي تحت مسمى: " إدارة التخطيط والتنفيذ الإستراتيجي الوطني" ويكون مديرها برتبة وزير,على أن تكون مهامها كالتالي:
1) متابعة تنفيذ رؤية التحديث الإقتصادي من قبل الحكومة وبشكل دوري ورفع تقرير شهري لجلالة الملك وآخر لدولة الرئيس .
2) وضع الخطط الإستراتيجية المساندة في المجال الإقتصادي وتقديم النصح للحكومة في تنفيذها وفقاً للمتغيرات الدولية والإقليمية من حروب وكوارث طبيعية وإنتشار للجائحات الوبائية وغيرها.
3) وضع خطط بديلة لتنفيذ محركات النمو الإقتصادي عند حدوث الحروب الدولية والإقليمية والكوارث الطبيعية والجائحات الوبائية.
4) إستخدام كافة الإدوات التقيّمية بنزاهة تامة من حيث الاستبيانات الالكترونية السرية كرضى المواطنين والإهتمام بمقترحاتهم من سير في تنفيذ الرؤية وتحليل الأداء وإظهار العقبات للمساعدة في إيجاد الحلول المناسبة والبديلة.
5) أن يتمتع العاملون فيها بخبرات وتخصصات دولية ومحلية ولديهم القدرة على الإبداع والتفكير والتميّز والتخطيط الإستراتيجي.
6) إرشاد الكوادر الحكومية في كافة الوزارات لتطبيق الرؤية ضمن المعطيات والمتغيرات الحالية والجديدة.
7) المشاركة في إعداد الموازنة العامة للدولة.
8) ضمان إستمرارية تنفيذ الرؤية عند تعاقب الحكومات.
9) التوصية بمحاسبة المقصرين من المسؤولين مع بيان الأسباب .
10) المشاركة في لجنة إختيار المناصب القيادية لضمان النزاهة وإختيار الكفاءات وذوي الخبرات ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
إن العمل بروح الفريق الواحد بين هذه الإدارة الجديدة المقترحة مع أية حكومة من شأنه ضمان تطبيق رؤية التحديث الإقتصادي في أقصر وقت ممكن وبفاعلية عالية دون محاباة لأي مسؤول , وإيجاد الحلول البديلة للمعاضل على أن تؤخذ مصلحة المواطن بالدرجة الأولى كل ذلك سيقودنا إلى تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الرؤيا.
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية
مستشار مجموعة DDL الأمريكية-CDAG
mhaddadin@jobkins.com