على الرغم من التدابير المشدّدة لضبط الحدود التي وضعتها كل من الأردن وسوريا ، تُبذَل في كل عام محاولات جديدة لعبور الحاجز الذي يفصل الحدين الأردني والسوري .
تشير التقديرات إلى أن ألآف الأشخاص يحاولون عبور الحدود سنوياً، ومؤخراً، انضمت أرتال من اللاجئين وطالبي اللجوء الهاربين من النزاعات في سوريا والعراق .
إذا كانت الحدود واللجوء تفصل بين الأردن وسوريا وتربط بينهما في آنٍ واحد في سياق المحاولات التي يبذلانها من أجل مكافحة ظاهرة اللاجئين ، المخدرات هي مسألة أخرى تتحدّى مفهوم الحدود. تشكّل الحدود الشمالية، جزءاً من الحياة والممارسات اليومية للسكان المحليين. إنها تؤدّي دوراً اقتصادياً مهماً في التجارة القانونية والتبادلات غير الشرعية على السواء، لا سيما التهريب . سهّل هذا الأرتباط الوثيق بين الحدود والسكان المحليين تجارة مثمرة ناجحة .
على الرغم من فرض ضوابط وقيود صارمة على الحدود، لم تتوقّف عمليات تهريب المخدرات ، هذا ويتم أيضاً ضبط كميات كبيرة من المخدرات ، ما يسلّط الضوء على الموقع الذي تشغله المناطق الشمالية والشمالية الشرقية للمملكة على طريق الإتجار بقوة . لقد ساهمت جهود القوات المسلحة ( الجيش العربي ) والأجهزة الأمنية في خفض تدفّق المخدرات والممنوعات للمملكة ، لكنها لم تضع حداً نهائياً لعمليات ضبط المخدرات ومصادرها لأن القوات المسلحة ( الجيش العربي ) معنية بالدفاع عن أمن حدودها وشعبها فقط . الحدود الشمالية هي حدود مدينة عابرة للأوطان بكل ما للكلمة من معنى. إنها نقطة عبور للمنتجات المصنوعة في الأردن وسوريا على السواء إنما أيظاً نقطة وباء للمخدرات على إختلاف أنواعها وأشكالها .
قابلية الحدود للاختراق، بسبب الهشاشة الاقتصادية والفساد السياسي من جملة أسباب أخرى، تتيح لتجّار المخدرات شقّ مسارات جديدة لنقل بضائعهم عبرها. إذا كان الطريق التقليدي لنقل المخدرات يمرّ عبر الحدود الشمالية ، ليس مفاجئاً أن نرى أن التجّار يفتحون مسارات موازية جديدة، مثلاً عبر المناطق الوسطى والشرقية. قد تكون هذه الطرقات أقل مباشرةً وأكثر كلفة، لكنها أقل خطورة للبضائع. وقد دفع هذا التحوّل بمهرّبي اللاجئين إلى تنويع أنشطتهم مع إقدام ذوي المهارات بينهم المعروفين بخبرتهم في عبور المناطق البرية ، على وضع خدماتهم بتصرّف تجّار المخدرات .
تميل وسائل الإعلام، سواءً في حديثها عن المخدّرات أو اللآجئين ، إلى التركيز بشدّة على الأرقام، وهكذا أصبحنا معتادين على سماع عناوين رئيسة من قبيل: "ضبط طن من المخدرات على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية"، أو "توقيف مئات اللآجئين يحاولون عبور الحدود". يتحدّثون عن المخدرات، كما اللآجئين ، بالأرقام فقط لتسليط الضوء على فاعلية إجراءات ضبط الحدود أو عدم فاعليتها .
تبدو الحدود، عند النظر إليها من خلال عدسة اللآجئين وتجارة المخدرات، أشبه بمساحات من الالتباس موجودة خارج منطق الدولة المعياري. إنها تكشف كيف أن علاقاتنا الملموسة مع الحدود لا تتبلور بطريقة واضحة إلا عندما تكتسب أهمية استراتيجية بالنسبة إلى المعنيين بها. يدفعنا تحليل الممارسات الاقتصادية-الاجتماعية المتعلقة بالحدود إلى التفكير أبعد من التفسير التبسيطي، ما يحفّزنا على أن نرى في الحدود ميادين عمل ديناميكية .
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي