حسن محمد الزبن - مرت أيام على إطلاق رؤية التّحديث الإقتصادي في مركز الملك الحسين بن طلال للمؤتمرات، في البحر الميت، الذي صدّر مخرجات ورشة العمل الإقتصاديّة الوطنيّة, والتي احتضنها الدّيوان الملكي العامر منذ بداياتها، وتضم أكثر من 500 خبير ومختصّ، لإطلاق الرؤية بتشاركية العديد من الإقتصاديين ورجال الأعمال المخضرمين، والمهتمين، ورجال السياسة من الوزراء والنواب والأعيان، والمستثمرين، وأصحاب المال، وخبراء وأخصائيين دوليين، اطلعوا على برنامج الرؤية، وقدم بعضهم رأيه بعمق الحدث وأهميته، ومنهم من تحدث عن آلية وأسبار البرامج الاقتصادية الطموحة، ومقدار مساهمتها بما تمتلك من آليات وخطط، وحجم متوقع للإستثمارات، والنيّة في التوجه الأكيد للتعاون بين القطاع العام والخاص، لترجمة مضامين الرؤية، ليشعر المواطن الأردني، أن الحدث لم يكن شعارات، وأنه جاء لتلبية حاجة وطنية ملحة لتجاوز كل الظروف التي يعيشها الاقتصاد الاردني.
جاء إطلاق الرؤية في التحديث الإقتصادية خطوة استباقية، تعبر عن التحدي والمضي في تسريع عجلة الإقتصاد ورفع معدلات النمو فيه إلى نحو 5.6 % حتى عام 2033م، والعمل الحثيث لخلق فرص عمل لنحو مليون وظيفة أيضا على مدى عشرة سنوات، وزيادة الدخل الفعلي للفرد 3% سنويا في المتوسط، وتعالج نسبة البطالة التي تفوق نسبتها الحد المقبول لأي دولة بين جيل الشباب، ونسبة الفقر المرتفعة التي تتعدى 15% من عدد السكان في الأردن، مما انعكس على مستوى معيشة المواطن، بدليل تفاقم الإلتزامات المالية على الأسرة، إضافة لفقدان الكثير من أربابها لوظائفهم في القطاع الخاص، خاصة في ظل تداعيات كورونا، وهذا الوضع يتزامن مع ظروف صعبة أهمها إرتفاع الأسعار، رغم كل الاجراءات والمساعي للدولة بتأمين منح للمبادرات تعزز عجلة الإقتصاد، واللجوء للتعامل مع البنك الدولي للحصول على قروض طويلة الأجل، والجهود بتأمين مساعدات مالية سنوية من أمريكا ودول أوروبا الصديقة، إلا أن التحديات ما زالت ماثلة ولم يشعر المواطن بأي تحسن، بل أن نسب الضرائب في تزايد، وكلف الطاقة ترتفع، والتبرير من الحكومة أن كل ذلك بسبب الأوضاع التي يعيشها العالم، وآخرها ما يحدث في أوكرانيا وروسيا من أحداث لها تبعات على الأردن كغيره من دول المنطقة، ومما كان سببا في إعاقة الملاحة التجارية، وتأخر البضائع في الوصول إلى الأسواق، هذا عدا عما طرأ من إرتفاع في أسعار الشحن الدولي.
وحسب ما جاء في الرؤية الاقتصادية أن الأردن يحتاج ما يقارب 56 مليار دولار أي ما يقارب 41 مليار دينار أردني لتحقيق هذه الرؤية الاقتصادية، التي جاءت في ثمانية محاور، انبثق عنها ٣٦٦ مبادرة لتحفيز ٣٥ قطاعا رئيسيا وفرعيا ولمدة عشرة سنوات ٢٠٢٢ – ٢٠٣٣،
وهذا يعني أن القطاع الخاص على كاهله مسؤولية كبيرة ليدعم من خلاله توجهات القطاع العام الذي تمثله الدولة، وهذا الواقع المختلف عن أي رؤية اقتصادية سابقة للدولة، لكون الاعتماد منذ الآن ولحظة اطلاق الرؤية يعتمد على القطاع الخاص، الذي شكل جهده ومشاركته في أعمال ورشة التحديث الاقتصادي، وأفضت جهودها ومخرجاتها لما عرض في مؤتمر البحر الميت، برعاية ودعم ملكي، ما يعني أن السياسات العامة يجب أن تتغير وتتلائم مع الوضع الجديد في الأردن الجديد، دعما ومساندة للقطاع الخاص ليقوم بواجبه والتزاماته حسب الأسس التي صاغها في الورشة الاقتصادية التي بدأت قبل أشهر من إطلاق مضامينها.
وعليه فالوضع صعب وحساس، ويحتاج جهد الحكومات القادمة، ودعم كبير من الدولة، لتذليل كل المعيقات والعقبات التي تعترض القطاع الخاص لنجاح المهمة الصعبة، وأمس الحاجة إلى السرعة في اتخاذ القرارات، وعدم التأجيل، واستثمار الوقت قدر ما نستطيع، فما عاد بوسع المواطن، ولا مؤسسات القطاع الخاص التي تستثمر كل ثقلها وخبرتها في تحقيق الرؤية إلى مزيد من البيروقراطية التي أربكت أداء القطاع العام، وانعكست آثارها على جودة الخدمة للمواطن والقطاع الخاص، وهذا يستدعي ثورة بيضاء في الدولة وعلى كل المستويات، وبالذات السياسية والاقتصادية، وتقديم كل الدعم لمنصة الاستثمار ورجال الأعمال، وإعادة النظر في منظومة الاقتصاد الاردني، والقوانين التي ترفع من قدرة وتمكين التنمية المستدامة الشاملة؛ فلا مجال للتراجع أو التوقف من حيث بدأنا وعقدنا العزم على التغيير والتحديث.
وكان ملفتا في المؤتمر ما قام به الاقتصادي المهندس ورجل الأعمال زياد المناصير بشرب جزء من السماد العضويّ ، وأهمية هذا المنتج أردني الذي يخفف من إستهلاك الماء في المشاريع الزراعية الرائدة، واستحوذ عرضه إعجاب الملك والحضور، وتعتبر رسالة من القطاع الخاص أنه على قدر التحدي، وسيعمل بكل طاقاته لرفعة وتقدم الأردن؛ فلنكن جميعا على قدر التحدي والإخلاص للرؤية التي تعبر بنا إلى الحياة الأفضل.
حمى الله الأردن،