سلامة الدرعاوي - أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي عن نجاحها في إصدار سندات “يوروبوند” بقيمة 650 مليون دولار وسعر فائدة بلغ 7.75 %، تستحق بعد 5 أعوام ونصف، وهذه ستستخدم لتسديد سندات يورو بوند في نهاية الشهر الحالي بقيمة مليار دينار، كان الأردن استدانها قبل خمس سنوات.
ويتساءل الكثيرون، ما أهمية هذه السندات في هذا الوقت تحديدا؟، وهل قرار الحكومة باللجوء إليها قرار سليم ام يحمل في طياته سلبيات؟.
اللجوء لسندات اليوروبوند هو قرار رسمي يحتاج لقراءة اقتصادية مسؤولة تكشف كل جوانبه المختلفة.
فالاقتراض الخارجي بهذا الشكل والحجم يعني التخفيف من عمليات لجوء الحكومة للاقتراض الداخلي، وتحديدا من القطاع المصرفي وصندوق استثمار الضمان الاجتماعيّ، مما ينعكس على توفير السيولة للقطاع الخاص بشكل أكثر أريحية ومرونة مما هي عليه الآن.
القرار بحد ذاته يعني دعم احتياطيات المملكة من العملات الصعبة عند مستويات مريحة وآمنة (18 مليار دولار)، وذلك بسبب عدم لجوء الحكومة لاستخدام الاحتياطيات في سداد التزاماتها الخارجية كما فعلت بعض الدول والذي أثر بشكل مباشر على استقرارها النقدي.
سداد التزامات خارجية في وقتها نهاية الشهر الحالي بقيمة مليار دولار يعني تعزيز ثقة المانحين ومؤسسات التمويل الدوليّة والاقتصاديّة العالميّة بالاقتصاد الأردني القادر على تلبية التزاماته والوفاء بها بموعدها دون تأخير، وهذه نقطة أساسية في استدامة مرونة العلاقة بين الأردن والعالم الخارجي، وتعزيز لقدرة المملكة على مواجهة مديونيتها الخارجيّة رغم كل التحديات الاقليميّة والدوليّة التي تعصف بالاقتصاد العالميّ، وهذا يساهم أيضا في تطوير النظرة الإيجابيّة من المانحين والمؤسسات الدوليّة وتعزيز استقرار التصنيف الائتماني السيادي للاقتصاد الأردني، إذ ان طرح السندات في هذا الوقت والحصول على فائدة 7.75 % لخمس سنوات ونصف، وهي معدّلات فائدة أقل مما عليه عالميا، تأتي بعد إنهاء الأردن بنجاح لمراجعته الرابعة لاتفاقية التصحيح الهيكلي مع صندوق النقد الدولي من جهة، وانتهاء مفاوضات المملكة مع الولايات المتحدة علي مذكرة التفاهم بين البلدين والتي تمتد لسبع سنوات، وهي أطول فترة مساعدات أميركية لأي دولة، وقد تم زيادة المساعدات فيها باكثر من 200 مليون دولار ، ليبلغ الإجمالي لها 1.65 مليار دولار سنويّاً.
الأردن هو الدولة الوحيدة من بين دول العالم النامي التي استطاعت ان تنجح في الدخول في سوق السندات الدوليّة منذ شهر نيسان الماضي دون كفالة أميركية، وهذا مؤشر إيجابي على نظرة المجتمع المالي الدولي للمملكة.
إصدار السندات، ضمن خطة الحكومة الأردنية المعتمدة لإدارة التدفقات النقدية، وإدارة الدين العام للسنة المالية الحالية، كما يأتي ضمن موازنة التمويل المدرجة في قانون الموازنة العامة لعام 2022 ، أي بمعنى آخر انه لن يزيد من قيمة الدين العام”.
لكن في النهاية يبقى قرار اللجوء لسندات اليورو بوند العالمية مثله مثل أي قرار اقتصادي يحمل في طياته بعض السلبيات التي لا بد لنا أن نقولها بصراحة، وهي الأصل في سداد سندات اليوروبوند المستحقة أن يكون من خلال الإيرادات المحليّة للخزينة لا أن يكون من خلال الاقتراض، وهذا يجعل على راسم السياسة الماليّة في أخذ الحيطة والحذر في إدارة ملف الدين الخارجي من خلال الاستمرار في تعزيز مبدأ التحوط المالي في المرات القادمة في بناء مخصصات ماليّة داخلية لتنفيذها بشكل يناسب ويتلاءم مع التزامات المملكة الخارجيّة في اوقاتها المحددة دون تأخير، فالتخطيط الماليّ والالتزام به يجب ان يكون على رأس أولويات الإصلاح الماليّ، لكن قد يكون هناك أسباب كثيرة في عدم قدرة الحكومات على تحقيق هذه التحوّط بسبب تداعيات الأوضاع الاقتصاديّة الاقليميّة والدوليّة في السنوات الماضية نتيجة كورونا التي عصفت بعمق بالاقتصاد الوطنيّ، وهي ما يدفع بضرورة أخذ العبر والدروس في كيفية التعاطي الرسميّ مع الالتزامات الدوليّة في المستقبل.