زاد الاردن الاخباري -
التَقيتُ بالكاتبة و القاصة الأردنية السيدة سامية العطعوط ، لمحاورتها في برنامج إذاعي "مسيرة ورد" ، و الذي يُبث على أثير اذاعة سَقيفة المواسم الأدبية للسيد عبد الرحمن الريماوي، بعد تحيّة تليق بالسَيدة سامية العطعوط تم إلقاء الضوء على اصداراتها القيّمة في مجال القصة و الرواية.. حيث أنها عضو في إتحاد الكتاب و الأدباء الأردنيين و الإتحاد العام للكتاب العرب ، و شاركت في العديد من الأمسيات الأدبية و اللقاءات الصحفية و المؤتمرات المحلية و العربية و الدولية ،و عملت في هيئة تحرير عدد من المجلات الثقافية .. كما و تناولت العديد من دراسات الماجستير و الدكتوراه أعمالها القِصصية، فهي تُدَرس في عدد من الجامعات.. كما و تُرجمت بعض قصصها إلى اللغة الإنجليزية و الإيطالية و الفرنسية ، و هي حاصلة على جائزة ناجي النعمان الأدبية التكريمية للعام 2014 عن مُجمل أعمالها.
تخصصت العطعوط في الرياضيات و عملت في المجال المصرفِي ، لكن اهتمامها بالأدب و الثقافة هو ما جعلها تدخُل هذا المجال ، حيث ذَكرت أن أوّل كِتاب اقتَنتهُ كان من مصروف عيديتها "ناقة النبي صالح"، و من هُنا كانت الإنطلاقة لقراءات و حفظ في دواوين فدى طوقان و محمود درويش و سميح القاسِم..
المولود الأدبي الأول للسيدة سامية هو"جدران تمتص الصوت" و هي مجموعة قصصية نشرت في 1986 ، تميزت بتناولها موضوع الغُربة بشكل عام ،و أن الغُربة داخل الوطن هي الأصعب بما في ذلك من فقر و بطالة و تفاوت طبقي و نماذج مهمشة في المجتمع ، و هي ما تناولته المجموعة القِصصية التي وصفت بالواقعية.
كتبَ الدكتور الفيلسوف المصري أنيس منصور في وصف كتاب "طقوس أنثَى" و الذي اصدر في 1990 بمقالة له في جريدة الأهرام ؛ (اكتملت لها أدوات الأداء و الفن الجميل ، العبارة السريعة و المعاني الطائِرة و الهدف القريب .. النُكتة الموجعة لا تفوتك) ، طوعت السيدة سامية العطعوط بين الألم و النكتة ..علماً أن طقوس انثى حَمل الكثير من الألم في طياته ، بالذات حين أشارت إلى قضايا المرأة على وجه الخصوص.. استخدمت الحركة الثلاثية في القِصة ،و أشار الناقد محمد رضوان قبل وفاته بعام ،بأن هذه المجموعة ظهرت فيها القصة القصيرة جداً ،و ننوه أن كتاب "طقوس أنثَى" حصل على المركز الأول في مسابقة الإبداع الفكري لدى الشباب العربي.
"قارع الأجراس / أنثَى العنكبوت" ،و المُلفت فيها أنها كُتبت بشكل نثري ..علماً أنها قصص لتوفر كافة عناصر القِصة فيها.. سألت ريم الكيالي ضَيفتها: هل هناك قالب مُحدد يُلزم الكاتب لكتابة القِصة؟ وكيف استطعتِ كتابة القِصة بهذا الشكل الذِي أعطاها بُعد جديد لم نَعهده..؟ فأجابت العطعوط أنها كانت تجربة فريدة حيث هناك عدد كبير من القِصص قصيرة جداً ، و الكتاب في مُجملهِ في خمسة فصول ، و في مقدمات الفصول هناك روح شعرية أسرتها في تلك الفترة و بدت فيها قصص المجموعة بشكل مختلف ،اعتمدت الثلاثيات كنمط ، و في فصل التكوينات و المدونات ظهرت القِصص القصيرة جداً.. و التي تسميها العطعوط بالقِصص القصيدة ،حيث تقول "سَقطتُ في مادة الجغرافيا ،لأنني لَم أعرف حدود الوطن!".و تُشير إلى أن بعض القصص تَطرقت إلى موضوع الإستنساخ ، والذي نادراً ما يُكتب حَوله.
"بيكاسو كافيه" ،المجموعة القِصصية الأقرب إلى قَلب السيدة ساسمة العطعوط حيث أنها تعبر حقاً عن ما تُريده ،و قد عملت عليها جاهدة و فرحت وقت صدورها بعد أربع سنوات من انقطاع الإصدارات ،و تتكون من ثلاثة أجزاء: مدن و فئران و موت مؤجل، و حملت المجموعة مواضيع مُتنوعة.
نُصوص و ليس قِصص" كأي جثة مُباركة "..يتميز بكونه يتحدث عن فلسفة الواقع المرير ضمن أسلوب مُتقن ، ليصل الى القائمة الطويلة لجائزة المُلتقى للقصة القصيرة العربية في دورتها عام 2017/2018 م في الكويت ، بمحاوره الأربع " كراسة حرب و ممحاة الحبر و سيرة عائلة لم تعبر البحر و مدن تقع في قعر الخوف" ،كتبت معظم هذه القصص في خضم الأحداث التي عاشها الوطن العربي في فترة الربيع العربي الذي جاء محملاً بآمال، و كانت النصوص نتاج فترة تاريخية صعبة عاشها الشباب العربي ضمن الحركات الجماهيرية التي ظهرت في بعض الدول و انتجت حُروب طاحنة مع الأسف كما في اليمن و ليبيا و سوريا، و من كُتب لهُ النَجاة من الربيع العربي ودماره فقد مات غرقاً في بحر غريب و هو يحاول النجاة من رصاصة في وطنه! ،و العائلة التي لم تعبر البحر كما تبدأ في القصص سيرتها قبل أن تعيش الواقع المجنون تنتهي بعد ثلاثين عاماً .."بنحن لم نكن أحراراً بل أصبحنا مَوقوفين على قيد الغرق".
بعيداً عن القِصص ..اختارت السيدة سامية العطعوط الرواية كلون أدبي لتُصدر في عام 2013 رواية مُصورة و عنوانها "عالمديان رايح جاي" تناولتِ فيها أحداث الربيع العربي بطريقة طرح و تصوير فريدة ،حيث طوعت قلمها للإشارة الى الشباب العربي في حاضره و مُستقبله .. فكتبتها وهي مدفوعة بأحداث الربيع العربي بتونس و مصر و ليبيا ، شعرت بأن الوقع لن يكون يُعبِر عن واقع الشباب و الشابات الذين نزلوا الى الميادين ،و تنبأت أن الشباب لن يحققوا احلامهم ،و سيحاولون العودة إلى الميادين و يواصلون في محاولات أخرى تتكرر من أجل التغيير و لهذا كان سَبب تسمية الرواية "عالميدان رايح جاي"، و من خلال الكومكس تم نقل المَشاهد الحية و الأحداث الواقعية التي كانت تحدث على أرض الواقع في حينه ، لهذا كانت الرواية مُختلفة، و بَدت العطعوط سعيدة و فَخورة بانجازها لها بهذا الشكل المتميز.
غالباً في مُعظم القِصص لا نجد السيدة سامية العطعوط تشير إلى الأماكن بشكل واضح و صَريح .. فتوجت ريم الكيالي بسؤالها عن القيمة التي يَكسبها حُضور الأماكن في روايتها "عالمديان رايح جاي" على وجه الخُصوص ، وان كان لديها ارتباط بهذه الاماكن ، فأجابت أن معظم القِصص لم تُشر إلى أماكن مُحددة ،فالأماكِن مثل المَقاهي أو المسارح أو الشوارع لها شخصيتها الحقيقية و المُنفصلة عن مقهَى أو شارع بذاته ،أما في الرواية فالوضع كان مُختلف لأنها من واقع الحراك العربي و من مشاهد واقعية مثالها ميدان التحرير في مصر .. داريا السورية التي حدثت فيها المجزرة ،كما و تنقل البطل في الرواية بين أكثر من مدينة عربية ..وكانت الكَثير من الأحداث واقعية فلا بُد من الإشارة إليها.
• ننوه أن رواية "عالميدان رايح جاي" هِي أول رواية أردنية تستخدم اللوحات بالإضافة إلى فن القصص المُصورة و كانت الرسوم بريشة الفنانة التشكيلية ساندرا الدجاني.
"في الكتابة لا شيء مُستحيل ،كل شيء يندرج ضمن إطار الممكن، في الكتابة تفيض الروح بتجلياتها و يَستنزفُ الجسدُ بهاءَهُ طلباً للمستحيل..في الكتابة تتعثر أقدامنا بتضاريس الحياة ،فنكتب خارج المنطق و نفيض بكلماتٍ تُشكلها اللحظات الفارقة ،خارج الإطار أيضاً"، هذه الكلمات كُتبت في مجموعة "بوذياً حافي القدمين"و التي أصدرت في 2013، سألت ريم الكيالي ما الذِي يميز هذه المَجموعة القَصصية عن المجموعات السابقة من زاوية الكتابة السردية المُتحررة؟ فكان جواب السيدة سامية انها عبارة عن نصوص تسرد مآلات الحُب و الكتابة ، تنهل من القصيدة النثرية و النصوص الصوفية ، وانها كتبتها في فترات زمنية متفاوتة ،فيها شفافية و دفقات شعورية عالية الوتيرة ،عن الكتابة و اللغة و الحب و الأنا وانسكاب الحزن في جرار فخارية ،عن انطفاء القمر و الحنين المتمرد في كانون .. هي نصوص تحاول التعبير الفني بأي ثمن ..تتفجر اللغة فيها لتصل إلى مستويات لم تبلغها من قبل ..مختلفة عن الإصدارات السابقة ، و تشتمل على نوع من فلسفة الحياة و الكتابة .
قالت السيدة سامية العطعوط في سَبب أن معظم شخوص قِصصها مُتعبة و مقهورة، وَ وضحت لنا كيفية تمكنها من الولوج إلى العوالم النفسية للشخوص من خلال تحريكها على سطورها ضِمن إطار القِصة أو الرواية ..فقالت أن لكل كاتب مرآته الخاصة التي يعكس فيها الواقع كما يشعر به و يراه، و الشخوص بدت متعبة في اصداراتها لأنها تعيش في ظروف قاهرة.. فَقيمة الإنسان – مع الأسف- مُتدنية بواقِع الحال ،و المجتمعات تعاني من قضايا عديدة ،كما و أن الربيع العربي انتهى بالأسوأ ..و مع ذلك هناك شُخوص مُتمردة على الواقع، و شخصيات تواجه الواقع بالسخرية منه؛ لأنها لا تجِد بديلاً عن ذلك لمواجهة الألم..
"كأي جثة مُباركة " مجموعة قصصية مميزة بأسلوب القصة القصيرة جداً أو الأُقصوصة، بحيث تستخدم السيدة سامية التركيز الوصفي العالي الذي يخلو غالباً من التفاصيل و الإستطالة و التوسع في التشخيص، و يلقي الضوء على الفكرة من خلال الإختزال، السؤال الذي طَرحتهُ الكيالي هُنا، بما أننا نعيش في عالم سريع الوتيرة ،و القِصة القصيرة جداً أصبح لها صَدى كَبير مُؤخراً ..هل يُمكن لأي قاص أن يُجيد الخَوض في كتابة القصة القصيرة جداً؟ما مدى صُعوبتها و كيف يُمكن إتقانها؟
فأجابت السيدة العطعوط بأن الإنتشار اللافت لِفَن القصة القصيرة جداً ،وهي مُنتشرة حقاً ..تحت هذه التسمية مع ان قلة من يجيدونها، فالنكتة و الخاطرة ليست قصة قصيرة ،القصة القصيرة جداً لها عناصرها؛ وأهمها الفعل و الحركة و الدَهشة ،من خلال قيام الشخصية بفعل ما أو حدث أو تغيير ما يُؤدي إلى ذروة العمل ،اذا كانت القصة عبارة عن خمسة جمل وصفية دون جمل فعلية لن تكون قصة قصيرة ، كما و ليس من السهل كتابة القصة القصيرة جداً، لا بد من الإشارة ان قراءة القصص العالمية و كيفية كتابتها و الوقوف على فنها و عناصرها و أهميتها و التغيرات التي حصلت عليها خلال قرن من الزمن وكيفية اختزال حركات سريعة و جمل فعلية أمر لازِم لفهم هذا النوع الأدبي..
اختارت ريم الكيالي أن تُنهي الحِوار بِمَعشوقة السيدة سامية العطعوط و هي مدينتها نابلِس ، المدينة التي وُلدت فيها و تركت فيها الحَنين ، فسألتها عن ما تعني لها الأساطير المُتَعلقة بها .. كيفَ لك أن تَحملها في قلبها و تكتبها بِحب ..؟ فأجابت عن السؤال الذِي لامسَ مشاعرها، "نابلس هي البدء و المنهى، زُرت الكثير من المدن و لكن نابلس هي الحنين المُقدس بالنسبة لي .. فيها ولدت و تَعلمت و قرأت أول الكتب ..عشت ظروف المقاومة و الإحتلال .. مكتبة بلدية نابلس التي قرأت أغلب عناوين الكُتب فيها بِعُمر 12 سنة ..بين روايات و شعر و ترجمة ، كانت مكان رائِع لإستعارة الكُتب ، فترة محفوظَة في الذاكرة و القلب ،و ربما تَظهر في عمل خاص بنابلس .. ان شاء الله"
في الخِتام تَقدمت العطعوط بِنصيحة للشباب الكُتاب، بأنهُ لا يمكن لكاتب أن يبدع ما لم يقرأ مئات الكُتب في مُختلف الميادين ..نصيحتها كانت القراءة ثم القراءة، حُضور المعارض و التنبّه بِحساسية لما يدور حولنا من خلال استحضار الوعي لالتقاط الشُعور الدافق للجمال.. و هو السر الذي يُحفز على الكتابة ..، شَكرت ريم الكيالي ضَيفتها التي تَقدمت بِكتابة إهداء جميل على احدى صَفحات اصداراتها ، وَثَقت بهِ اللحظَة الطَيبة بِختام حِوار شيّق سُجِل بِسلاسَة ليكون أوّل حلقة من "مسيرة وَرد".