بقلم الدكتور المهندس أحمد الحسبان - ليس عام ٢٠٣٠ ببعيد، ولا عام ٢٠٥٠ كذلك، فنحن الآن في منتصف ٢٠٢٢ وبحوث الطاقة الخضراء عالمياً لما بعد تلك السنوات بدأت وبتزايد مضطرد للتعمق بالتفكير بحلول التحول من طاقة البنزين والديزل الى طاقة الكهرباء الخضراء من الرياح والشمس، ليس فقط من اجل الحد من التلوث الكربوني الصادر منها فحسب، بل لايجاد بدائل عن الوقود الاحفوري الآخذ بالتناقص والاستفادة من مصادر الطاقة التي فوق الارض، ومن اهم المجالات المطروحة للبحث والنقاش عالميا في هذه الأيام هي المركبات الصغيرة والمتوسطة.
في حين يصوت البرلمان الاوروبي الاربعاء الماضي بغالبية ٣٣٩ صوتا مقابل ٢٤٩ لصالح حظر تصنيع وتصدير مركبات البنزين والديزل بحلول عام ٢٠٣٥، والبدء باستبدالها بالسيارات الكهربائية، وذلك لاسباب تخص تخفيض التلوث الكربوني بنسبة ٥٠ ٪ وتقليل اثره في الاحتباس الحراري وبالتالي التغير المناخي المضطرب، في حين ذلك، كانت بحوث يابانية جارية منذ عام ٢٠٢١ لاستخدام طاقة السيارات الكهربائية في انارة المنازل، فالسيارات ليست مستخدمة طوال الوقت، وطاقة بطارياتها غير مستغلة اثناء وقوفها - على العكس من مشاويرنا التي لا تنتهي، فأوجدوا تقنية حديثة ترجع الطاقة الكهربائية المخزنة فيها للشبكة الوطنية (V2G)، تقريبا مثل أنظمة الطاقة الشمسية الحالية التي تصدر فوائضها للشبكة اتوماتيكا لاستغلالها ليلا.
العالم يتجه مسرعا نحو انقاذ البشرية من تبعات البقاء على وسائل الطاقة التقليدية، عدد السيارات الكهربائية حاليا يتجاوز ٥.٦ مليون سيارة في العالم، وفي بريطانيا حوالي الثلث مليون سيارة، وما يقارب المليون سيارة كهربائية في اميركا، ويتوقع بحلول عام ٢٠٣٥ ان تكون نسبة هذه السيارات ٢٨ ٪ من سيارات العالم، اي بنسبة الربع تقريبا، وهذا ليس ببعيد في الخطط متوسطة المدى لشركات التصنيع، وفي عام ٢٠٥٠ يتوقع ان تكون نسبتها ٥٨٪، اي اكثر من النصف. فما هو موقف حكوماتنا ووزاراتنا المعنية من هذا التوجه بادخال السيارات الكهربائية وحظر استيراد السيارات التقليدية؟ وهل هناك خطط استر اتيجية او حتى متوسطة المدى للتماشي مع الوضع القادم الصادم، غير حزمة رفع الضرائب واسعار الوقود التي اعتدنا عليها؟
عندما يبدأ العالم الاول والثاني بالتحول في هكذا مجال، يجب على الحكومات والشعوب في العالم الثالث ان تفكر - على الاقل - بمواكبة هذه التغييرات ومحاولة دراسة امكانية الاستفادة منها، فالبقاء بمعزل عن العالم لن يزيدنا الا تأخرا وجهلا وفقرا. المواطن العربي - والاردني خاصة - يدفع فاتورة طاقة باهضة بالنسبة لدخله الضئيل، وهذا سيكون على حساب قوت عياله وتعليمهم الذي يتآكل هو الآخر، والحلول الفنية الصادقة موجودة لرفع ثقل هذه الفاتورة عن كاهله - اذا صدقت ارادة التغيير للافضل. وعلى الطرفين - حكومة وشعبا - مواكبة ثقافة تغيير الطاقة كذلك، فأساليب التبذير المتبعه حاليا لن تزيد الطين الا بلة، وترشيد الاستهلاك ما عاد شعارات نظرية تطرح هنا وهناك، بل يجب ان تطبق واقعا، الياباني يخزن الطاقة في سيارته ويرجعها لبيته اذا احتاجها، وهذا هو الفرق الثقافي بين الاثنين. وبريطانيا تقدر قدرة تخزين السيارات الكهربائية ب ١٨ غيغاواط ساعه، وتقارب ضعف قدرة تخزين اكبر محطة لديها (دينو رينغ ذات ال ٩ غيغا واط)، وهذا يتأتى من ال ٣٠٠ الف سيارة كهربائية فقط، مما سيمكنهم من الاستغناء عنها مستقبلا، لا بل ويتجهون لتحديث شبكات نقل الطاقة لديهم لاستيعاب هذا التغيير المستقبلي الاتي لا محاله.
خلاصة القول؛ ملف الطاقة في بلدنا يحتاج صدقاً لادارة كفؤة وصادقة لايجاد الحلول التي تخفف من قيمة فاتورة الطاقة الباهضة حاليا، والتي من المتوقع ان تكون صادمة وليست جميلة مستقبلا، وهذا لن يكون الا اذا وجدت ارادة التغيير الايجابي والتطوير التقني وترك سياسات التجهيل والتعتيم على هذا الملف المهم محليا وعالميا. فلا أحد يعلم كيف تحتسب معادلة الوقود الشهرية، ولا احد مطلع على تلك العقود الغامضة مع شركات الطاقة الخاصة، وما هي بنودها الجزائية، وبالتالي سيكون مستقبل الطاقة لدينا صادماً وليس جميلاً.
الدكتور المهندس أحمد الحسبان