زاد الاردن الاخباري -
في عام 2013، تأسست فرقة "النور" للموسيقى العربية الكلاسيكية في إسرائيل على يد مجموعة من الموسيقيين الذين جمعهم شغف كبير بالموسيقى العربية، ومع هذا الشغف كان هناك سبب آخر وهو رغبة السير على خطى زوزو موسى، عازف الكمان اليهودي المصري الذي هاجر إلى إسرائيل وعمل لسنوات طويلة على أداء أشهر الأغاني والألحان لعمالقة الغناء المصريين.
ولسنوات ظلت الفرقة تقيم حفلاتها في إسرائيل لجمهور متنوع الأعراق والثقافات والديانات، حتى أتيحت لها الفرصة أن تعزف الموسيقى في قلب القاهرة، وهو الأمر الذي كان بمثابة حلم وأصبح حقيقة.
ومنذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية قبل 43 عاما، تعد هذه المرة الأولى التي تأتي فيها فرقة إسرائيلية إلى مصر لتقدم حفلا بهذا الشكل، فعلى الرغم من أن مصر كانت أولى الدول العربية التي وقعت سلاما مع إسرائيل إلا أنه اقتصر على المجالات الامنية وبعض المجالات الاقتصادية، وعادة ما تواجه فعاليات التطبيع الثقافي والفني هجوما شديدا في مصر.
ولأن الأحلام لا تتوقف، بات أعضاء فرقة "النور" يحلمون الآن بأن يتمكنوا يوما ما من عزف الموسيقى في دار الأوبرا المصرية، أقدم وأكبر دور الأوبرا في الشرق الأوسط، ويعتقدون أن تحقيق ذلك سيكون أعظم إنجاز لما تمثله الفرقة وما تحاول نشره من رسائل للسلام والتعايش عبر الفن الذي تقدمه.
رحلة الوصول إلى القاهرة
موقع "الحرة" التقى عددا من أعضاء الفرقة في أحد الفنادق وسط العاصمة المصرية، القاهرة، حيث كانوا يقيمون.
وتقول حنا فتايا، الشريك المؤسس ومديرة فرقة "النور" إن البداية جاءت مع تلقيهم دعوة من السفيرة الإسرائيلية لدى القاهرة، أميرة أورون، لإحياء حفل رسمي احتفالاً بالذكرى الرابعة والسبعين لتأسيس إسرائيل، والذي كان مفاجأة سعيدة لها على المستوى الشخصي.
وتضيف "أنجزنا كل شيء بشكل سريع وحاولنا أن يحضر أكبر عدد من أعضاء الأوركسترا، وأنهينا إجراءات السفر سريعا، وتصف شعورها وأعضاء الفرقة بالمشاركة في الحفل قائلة: "لقد تأثرنا بذلك وهو شرف كبير لنا جميعا ونحن فرقة جل ما تفعله هو أنها تعزف الموسيقى العربية الكلاسيكية، فقد كان هذا أكبر أحلامنا، أن نصل إلى مصر".
قائد أوركسترا "النور" وأحد المطربين، آرئيل كوهين، روى لموقع "الحرة" أكثر موقف تأثر به خلال رحلته إلى القاهرة حين بدأ الغناء أمام حضور مصري، "بدأنا غناء مقطوعة يا صلاة الزين، ولم أتمكن من الغناء وبدأت الدموع تملأ عيني، حينها قلتُ للسفيرة أورون: بالنسبة لطفل ولد في بيتاح تكفا عام 1986 وكان يحلم طوال حياته بعزف الموسيقى العربية لم أتوقع أن يكون ذلك بتلك السرعة، بعد خمسة عشرة عاما من عزفي للموسيقى لم أتوقع أن أتواجد وبجواري وخلفي موسيقيين لنؤدي أغنية لشيخ الملحنين، الشيخ زكريا أحمد، في قلب القاهرة، بالنسبة لي هذه قمة عظيمة تتوج سنوات من الحب لهذه الثقافة والموسيقى المصرية، لا أنسى أيضا عندما ارتجف جسدي وأنا ألتقط صورة لي بجوار تمثال أم كلثوم".
أعضاء الفرقة تغنّوا بحبهم لأم كلثوم
تتفق في الحديث، هيله أخيل، إحدى عازفات الكمان بالفرقة والتي تنحدر من أصول يمنية، وتقول:"لقد ولدت في إسرائيل وأنا اليوم أعزف الموسيقى العربية في بلادي لقد كانت الموسيقى العربية حاضرة معي في المنزل طوال السنوات وخاصة الموسيقى العربية المصرية لقد كان حلما يراودني منذ الصغر أن أكون عازفة موسيقى، وأصبحت لدي فرصة الحضور مع زملائي وعزف الموسيقى التي تعلمناها في إسرائيل منذ فترة طويلة هنا في مصر".
وتضيف "هذا الأمر بمثابة تطوير لقدراتي، لأنه كان حلماً وأصبح حقيقة، ويربط بين ثقافتين مختلفتين، وهو شي مفرح ومدهش للغاية. كما أن الأمر يشبه إلى حدٍ ما صناعة التاريخ، والذي سيمكّن الإسرائيليين من الوصول إلى الموسيقى العربية المصرية، وهذا فعلا بحد ذاته حلم".
أحيت الفرقة الحفل الرسمي في السفارة الإسرائيلية، أواخر مايو الماضي، والذي حضره دبلوماسيون من دول مختلفة وشخصيات عامة، كما أحيت حفلا خاصا لجمهور مصري وإسرائيلي، وأجرت جولة سياحية شملت الأهرام والقاهرة الإسلامية ونهر النيل ومتحف أم كلثوم وشارع محمد علي الشهير بصناعة الآلات الموسيقية الشرقية، وحضر نحو 13 عازفا يشكلون أقل من نصف القوام الرئيسي للأوركسترا.
شغف كبير بالموسيقى العربية
قائد أوركسترا "النور"، كوهين، تحدث عن شغفه بالموسيقى العربية لموقع "الحرة"، حيث ولد لأبوين من المغرب وكان لهذا أثر كبير في تعلقه مبكرا بالموسيقى العربية، ويقول: "عندما كنت طفلا في الثامنة أو التاسعة سمعت لأول مرة أغنية أم كلثوم 'إنت عمري'، وقلتُ حينها يا إلهي، لقد دخلت هذه المغنية قلبي وروحي وهذا ما أحب أن اسمعه".
ويضيف"وفي وقت مبكر من عمري أتذكر أني سمعت أغنيات محمد عبد الوهاب وليلى مراد وأسمهان وفريد الأطرش ورياض السنباطي ومحمد القصبجي ومحمد عبده صالح، لذلك أنا في الأساس، ومنذ صغري، أعيش الموسيقى الكلاسيكية المصرية ولا أسمع أي شيء آخر غير الموسيقى المصرية الكلاسيكية طوال حياتي".
شغف كوهين بالموسيقى دفعه للبدء مبكرا في تقديمها للجمهور حيث كان يعزف الغيتار مساء على أثير الإذاعة الإسرائيلية وكان يحاول محاكاة ما كان يقدمه الموسيقيون الإسرائيليون، مثل زوزو موسى وفليكس مزراحي وألبير إلياس وإلياس زبيدة، ويعتقد أنه مع مرور الوقت شعر بأنه يعيش في زمن الخمسينيات والستينيات، الفترة الذهبية للموسيقى المصرية، وكان يسعى لتأسيس أوركسترا تسير على خطى هؤلاء الموسيقيين حتى تحقق ذلك بالاشتراك مع يهودا كماري عام 2013.
الموسيقى تتخطى الحدود وتكسر الحواجز
تأسست أوركسترا "النور" بهدف تقديم الموسيقى الكلاسيكية العربية للجمهور، حيث تحيي حفلاتها لجمهور متنوع، ويقول كوهين إن الموسيقى العربية تحظى بجمهور كبير في إسرائيل، سواء من اليهود أو العرب المسلمين أو المسيحيين، وهو أمر مدهش في كل حفل وهو على المسرح أن يشاهد امرأة عربية محجبة تجاور يهوديا من الحريديم أو شابا من تل أبيب يهتم بالموسيقى ويريد أن يتعرف على الموسيقى التي تنتمي إلى أجداده الذين هاجروا من العراق أو مصر أو المغرب أو سوريا.
الموسيقى تجمع تحت سقف واحد مختلف الأطياف، الدينية والسياسية من اليمين واليسار، تختفي حينها الانتماءات ويستمع الجميع لموسيقى عبد الوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم، وهذا ما يشجعه على مواصلة تقديمها، كما تصلهم ردود فعل عظيمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي ينشرون فيها مقطوعاتهم وبات لهم جمهور من مختلف الدول العربية والعالم.
تنوع الجمهور جاء أيضا من تنوع العازفين في الفرقة حيث تعتقد فتايا أن أكثر ما يميز أوركسترا "النور" أن أعضاءها ينتمون إلى خلفيات دينية وعرقية مختلفة، فهناك عازفون من أصول عربية ودروز ومن أوروبا وروسيا، وهم من المتدينين أو العلمانيين وبينهم اندماج كبير.
وتضيف"يجب أن نعطي الموسيقى العربية مكانة واحتراماً لأن هناك ثقافة مشتركة بين الملايين في العالم وفي العالم العربي من العرب واليهود الذين يحترمون ويقدرون هذه الموسيقى، لقد شعرنا أنها تفتقر إلى هذه المكانة في إسرائيل، ويجب علينا أن نقدمها لكي يتعلموها وكي يتذكروها وأيضا كنا نفتقد إلى فرقة موسيقية محترفة تقدم موسيقى تليق بالموسيقى العربية الكلاسيكية وفي نفس الدرجة من الرقي، أنا أعتقد أن الشيء المميز لفرقة النور هو إحداث تواصل بين الناس الذين يرتبطون بثقافات مختلفة".
حلم الوصول إلى دار الأوبرا المصرية
"نود تمثيل إسرائيل في كل دول العالم، وعلى وجه الخصوص في الدول العربية، لقد حققنا حلمنا بالعزف في مصر لكن أكبر أحلامنا الآن هو العزف في دار الأوبرا المصرية، حينها سنكون وصلنا إلى القمة، ونعتقد أن لدينا من القوة والإرادة ما سيمكننا من تحقيق هذا الحلم، وأن نكون البشارة التي تنشئ جسر الموسيقى بين الشعوب وأن نكون سببا في السعادة والنور والأمل"، هذا هو الحلم الذي تتحدث عنه فتايا بتطلع كبير.
ويتفق معها كوهين قائلا: "أنا متفائل بطبعي وأثق أني في يوم من الأيام سأحقق حلمي بقيادة هذه الأوركسترا في حفل بدار الأوبرا المصرية، الموسيقى الكلاسيكية هي أساس ثروة ثقافية لجميع شعوب المنطقة، وباعتباري شخصا موجودا في الشرق الأوسط، فإن الموسيقى العربية هي جزء لا يتجزأ من ثقافتي، وهي ليست شيئا كان يجب أن أشاهده بمرور الوقت، إنها شيء ولدت فيه وسأموت فيه".