قد يحسد الحاسد غيره بزوال النعمة عنه؛ فهذا معروف ومكروه ومنهي عنه؛ لكن الحاسد هذه الايام تنوعت اساليبه، وتطورت تقنياته، واتسعت آفاقه، وتحول لحاسد اناني خجول، لا يتمنى زوال النعمة عن غيره من أقرانه فحسب، بل ويعمل جاهداً بأنانيته على منع الخير من وصوله للفقراء، اذ لا شيء عندهم يحسدون عليه الا الصبر. فكيف يكون ذلك؟
كشفت منظمة "أوكسفام" الخيرية، الإثنين ١٧ كانون الثاني ٢٠٢٢، عن أرقام صادمة بخصوص الفوارق الاقتصادية في الأردن، وقالت إن أغنى شخصين في الأردن يمتلكان ثروة تفوق ما يملكه أربعة ملايين مواطن، حسب العربي بوست. كما أشارت في تقريرها الذي حمل عنوان "اللامساواة تقتل"، إلى أن ٩٩٠ فرداً في الأردن يملكون ٥ ملايين دولار أو أكثر، بمجموع ثروة يقدر بـ ٢٠,٣ مليار دولار. وكشفت مجلة "فوربس أرابيا" عن قائمة احتوت على أغنى ٥٠ عائلة في الأردن، وتصدرت القائمة عائلة أردنية تمتلك عدة مجموعات اقتصادية انطلاقاً من الأردن، أهمها مجموعة (ادجو) النفطية التي تحظى بامتيازات نفطية في ٢٠ دولة في العالم.
وأضافت منظمة "اوكسفام" كذلك في تقريرها للاندبندنت العربيه؛ أنه وبالرغم من جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، فإن تحصيلات ضريبة الدخل والمبيعات في الأردن بلغت نحو ستة مليارات دولار في عام ٢٠٢٢، بزيادة قدرها ٨٪ عن عام ٢٠١٩، وبلغ حجم ودائع الأردنيين في البنوك في عام ٢٠٢٠ نحو ٤٩ مليار دولار في مؤشر إلى زيادة ثراء الأغنياء في المملكة مقابل زيادة الفقر. وأن الفقر يهدد موظفي القطاع العام أكثر من موظفي القطاع الخاص، إذ إن ٤٣٪ من دخلهم مخصصة لسداد الديون، بينما يعمل نحو ٦٠٪ من العاملين في المملكة في القطاع الخاص.
احصائيات صادمة، ولكنها حقيقية، ومن المحتمل ان تتواجد أضعاف هذه المبالغ في ملاذات آمنة خارج البلد، ومن الممكن ايضا ان اعدادهم تفوق ما أوردته هذه المنظمة، ومنهم من يسكن بين ظهرانينا ونعرفهم، يكنزون فوق ال ٥ ملايين على الاقل في البنوك ولم يظهروا في اية فعالية او مشاركة اجتماعية سوى الانتخابات. السؤال الأهم، أين هي ضرائب هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة؟ وأين هي زكاة أموالهم ان كانوا يدعون الاسلام - وأحد اركانه الزكاة؟ وأين هي - على الأقل - مشاريعهم الاستثمارية في البلد، التي ستخفف الفقر والبطالة وتساهم بتشغيل الفقراء وسد عوزهم.
إن كان علماء الاجتماع قد خرجوا علينا بمفاهيم اجتماعية مثل عقدة أوديب، والانا السفلى، وهرم حاجات ماسلو، ونظريات التقارب والتباعد الاجتماعي، فلماذا لا يخرجون علينا بنظرية جديدة تصف سلوك هؤلاء الحاسدين الخجالى، وهم الأشد فتكاً بطبقات المجتمع وسبب رئيس في دمار سلوكه وحاجاته، وما هم الا بخلاء همة ومروءة ومال، بل ويكنزون الذهب والفضة، ويحرمون غيرهم من الفقراء من ثلاثة حقوق؛ حق الزكاة - ديناً وشرعاً، وحق الضرائب - قانوناً ودستوراً، وحق التشغيل ورفع الفقر - حسداً خجولاً (أنانياً)، يضرّ بالمعايش واقوات الناس، وهم يعلمون ان بناء مول واحد فقط قد يشغل المئات من البطالى عن العمل من الذين لا يسألون الناس الحافا، ومستعدين للكدح والتعب مقابل لقمة عيش كريمة لكنهم لا يجدون فرص عمل بما منع هؤلاء.
خلاصة القول ومقصده؛ يعجز اللسان عن وصف هذا النوع الجديد من (الحسد الخجول) تجاه لقمة الفقير بمنعه من فرصة عمل تم كنزها في بنك هنا او هناك، ويعجز كذلك عن وصف انعدام التكافل الاجتماعي بين الناس. لا قانون ولا دين يحاسبهم، الا قول الله تعالى فيهم (ومن شر حاسد اذا حسد) في الدنيا، وفي الآخرة بقوله تعالى (يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)، ٣٥/التوبة. ولا توبة لهم بعد فوات الأوان.
الدكتور المهندس أحمد الحسبان