بقلم المخرج د محمد الجبور - إن ما كنا نعتقده خيالا في سنين عديدة أصبح الآن حقيقةً في عالمنا المفتوح وما يُعد خيالاً اليوم سيكون حقيقةً غداً.. نعم أصبح واقع العالم اليوم لا حدود له، وأصبحنا نحن في أحضان وتحت رحمة ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي المتعددة والتي تزداد كل يوم بتطور التكنولوجيا، فقد تعرت الأجساد وسلت الارواح من الأبدان، وقبلته العقول بإخراج ما يجول فيها من آراء وأفكار، وما في القلوب من عواطف ومشاعر، وشجعتها على التجول والترحال عبر البحار والمحيطات لتقطع القارات إلى بلاد ومقاطعات وداخل المَهاجِعِ خلوة مع الأزواج على سمع ومرئي القريب والبعيد ومن هو تحت كنفنا ومن يطلق عليه الغريب، فما كان من خصوصية أصبحت للعموم كتاب، وما كان من سترِ حال والبعد عن فَضح وكشفِ ما تستحي وتقشعر منه الأبدان أصبح الآن للأَعين مِحْرابٌ ومستودع لا سقف له ولا باب فيه، مخزون لا ينضب ومن الوقاحة جهارا ومن الكلام فصاحةً ليس إسراراً. حق الإنسان في امتلاك عقله الذي وهبه إياه خالقه ليفكر كما يشاء لا كما يريد له الآخرون، حق الإنسان لكي يكون حراً طليقاً في مكان ليس بغاب، ولا هو معمل للفحوصات والتجارب والاختبارات، لم يعد عالمنا اليوم عالماً مغلقاً بل أصبحت حدود الدول المرسومة لتكون فاصلاً بين دولة وأخرى ما هي إلا خطوط على ورقٍ لِلِاستدلال على مكان وجودها والطريق المؤدي لها، ما هي إلا خطوط على لوحة في فصل دراسي يتم من خلالها تعليم الأطفال بأشكالها ومساحاتها وعدد سكانها
. ان إلهاء الشعوب وإغراقهم بالكثير من وسائل الترفيه لتحويل أنظار الرأي العام عن الخوض ومتابعة القضايا السياسية أو الاقتصادية، ومما جاء في الدليل أيضا ما تذهل منه العقول حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيداً عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، اجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية حقيقية لها، أبقوا الجمهور مشغولًا لا وقت لديه للتفكير، وعليه العودة إلى المزرعة مع غيره
من الحيوانات
وان اختلاق الأزمات وفي نفس الوقت تقديم الحلول المدروسة لها مسبقاً وذلك لإظهار ما يدور في فكر الشعوب وأخذ ما يمكن من حقوقهم للسيطرة عليهم ونهب البلاد. كافتعال أزمة اقتصادية تؤثر على الشعوب وتدمي ما لديه من حياة كريمة، ومن ثم يتم تقديم حلول حتى يرضى بالقليل القليل ليبقي على قوت يوم يكفيه هو وعائلته فقط والسلام. أو كالسماح بانتشار العنف بين الأشخاص حتى تكون اليد الأعلى للأمن.. على أنهم يطبقون الأمن ويقدمون الأمان للشعب وذلك لكي يحدوا من حرية الشعوب وزج غيرهم في السجون لمن هم دائمي الاعتراض والانتقادات للحكومة وحاكمها من الخطط الاستراتيجية التي تستخدمها الحكومات للسيطرة على الشعوب بطريقة لا يمكن للشعب أن يقاومها ولا يرفضها هي استراتيجية التدرج وهو بأن يتم التخطيط لتغيير شعب في مدة عشرة سنوات يتم فيها تغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية حتى يتم السيطرة على الشعوب وكأنهم في حالة من التنويم المغناطيسي لتمرير قرار ما.. لا يحظى بالقبول الآني من الشعوب، يتم طرحه على أنه سوف يتم تنفيذه بالمستقبل ولكنه سيكون قراراً مؤلماً للجميع هذا ما يصوروه للشعب، ولكن هو فعلياً لمصلحة الدولة وبالتالي لا تقابل ولا تواجه الحكومة مواجهة مباشرة هي ليست مستعدة لها في الوقت الحاضر ، ومع مرور الوقت سوف تتعود الشعوب على تقبل هذا القرار الذي سيأتي لا محالة ليستقبلوه بصدر رحب ويكون أثر الوَقع عليه مستقبلا أقل تأثيراً عندما يكون هناك تَوجيه وتذكير وإِمْلاءات من شخص ما إلى آخر يشعر الآخر أنه قليل المعرفة وفي مستوى أَدْنى من مستوى الأول، كأن الآخر يشعره بضعفه وقلة حِيلَته هكذا تبث الحكومات بإعلاناتها الموجهة للجمهور على أنها تريد مصلحة الجمهور الذي لا يعرف مصلحته وهم عنه جاهلون، فتمرر مخططاتها الفاسدة على شعوبها، إن عقل الإنسان هو آخر معاقل كلِّ خصوصية حيث نكون على حقيقتنا وسَليقَتنا التي فَطَرنا وجَبَلَنا عليها خالِقَنا، فنفكِّر كما نشاء ونتصرف وفق ما نؤمن به من قيم ومعتقدات ولكن الحضور الدائم في حياتنا لنزعة السيطرة على العقل والتلاعب بالفكر يمثل تهديدًا خطيرًا لمصادرة هذا الحق الإنسانيِّ ...!!!