الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس - لو عاشت في زمن الملوك والرؤساء والسلاطين في العصور الماضية لجعلوا منها ذوّاقة لأطعمتهم, ولجعلوا لها مكان في مطابخ قصورهم المحذورة, فبمجرد أن تنظر إلى الطعام تعرف إن كان ذلك الطعام بارد أم ساخن وتعرف درجة ملوحته, وبمجرد أن تنظر إلى الشراب تعرف إن كان ذلك الشراب بارد أم ساخن وتعرف درجة حلاوته, وأكثر من ذلك كانت وهي في غرفتها تخاطب امها أن الطبخة على الغاز في المطبخ قد نضجت واستوت, نعم كان لديها حسّ مُرّهف في تذوّق الطعام والشراب، وكأنها خبيرة أطعمة أو ذوّاقة له مع أن سنها كان صغير, إنها الطفلة (سناء..) ذات العشرة سنوات, وذات الاهتمام المبكر بعدم تقبل بعض الاشخاص لبعض الأطعمة والأشربة دون أن يعطوا الأسباب أو يفصحوا عنها في ذلك, وأنها (ما شاء الله) كانت اخر عنقود أسرتها البسيطة.
بدأت حيثيات القصة مع الطفلة (سناء..) حين رفضت ذات يوم تناول الإفطار مع أسرتها بحجة رائحة (مناقيش الزعتر) تلك التي أحضرها والدها لهم صباح أحد أيام الجمع من احد المخابز المجاورة لهم في احدى ضواحي أحد العواصم العربية, فقد امتنعت الطفلة سناء من مشاركة أسرتها تناول وجبة الإفطار من مناقيش الزعتر بحجة أن هناك رائحة زيت محروق بطريقة مبالغ فيها وملفتة للنظر, الأمر الذي جعل باقي أفراد الأسرة يدقّقوا في تلك الرائحة المنبعثة من الزيت الموجود على المناقيش والذي اخذ اللون القريب من الأسود ومن ثم مشاركتها قرار عدم تناول الوجبة, وفي نهاية الأمر فقد تأكد لجميع أفراد الأسرة أن ملاحظة سناء كانت صحيحة وأن هناك رائحة زيت محروق منبعثة من مناقيش الزعتر, ولكي لا نطيل في حيثيات القصة.. فقد قام والد سناء في اليوم التالي بتتبع وبطريقته الخاصة خط إنتاج مناقيش الزعتر في ذلك المخبز, ليصل إلى حقيقة مرة.. فقد وجد أن هناك مطعم يقوم بقليّ الفلافل والبطاطا والباذنجان.. بأكثر من اربع مرات وبنفس زيت القليّ والذي كان أيضاً هو من اسوأ أنواع الزيوت وأرخصها الأمر الذي جعل لونه يقترب دائماً من اللون الأسود.. وبعد ذلك يقوم هذا المطعم ببيع ذلك الزيت المنتهي صلاحيته بعد القليّ به بأكثر من اربع مرات للمخبز الذي اشترى الأب منه المناقيش والقريب من منزله أيضاً والذي يقوم بدوره (المخبز) بعمل مناقيش الزعتر من ذلك الزيت, وأكتشف ايضاً أن مناقيش الزعتر التي لا تباع في نفس اليوم يتم تخزينها والعمل على بيعها في اليوم التالي بعد تسخينها للزبون على انها تازة ومن عمل يوم جديد للمخبز, ..عاد الأب إلى المنزل مسرعاً وأخبر أفراد الأسرة بجميع الحيثيات التي رآها, لتصرخ (سناء) من جديد قائلة: (وشفت كمان نجارة خشب صغيرة جداً مع الزعتر),..وبعد التشاور ما بين أفراد الأسرة قام الأب بتحرير شكوى ضد المطعم والمخبز وذهب بها إلى الجهة المعنية وإلى الشخص المعني بالشكاوى.. ليكتشف لاحقاً أن جميع هذه الأطراف الثلاث لديها مصلحة مشتركة في ذلك, عندها خرج صاخباً ليقول:(حتى مناقيش الزعتر لها عصابات منظّمة), وأردف قائلاً: (هذه الزيوت المكررة سبب رئيسي لسرطانات القولون).