قالوا : «اللي ما بعرف الصقر بشويه»، مثل كلنا يعرف مناسبته وتوظيفاته، لكن أعتقد بأن هذا المثل بدوره تعرض للتحوير في المعنى، وأصبح مناسبا لوصف أي غبي يتصرف بحماقة مع الناس، أو يحتكم لثقافة انتهازية وعنصرية في إدارة أعماله، وقد نعذر من يدير أعماله الخاصة على حمقه وغبائه وتطرفه في إدارة شؤونه، فقد قيل «من حكم في ماله ما ظلم».. وهو أيضا قول تعوزه الدقة والأنسنة، حين يتحول المال إلى وحش.
أنا لا أريد التحدث عن ثقافة «العنصرية والجهوية والتمييز بين الناس على أساس نسبهم وهويتهم»؛ بل سأتحدث عن المال، ومؤسساته المتوحشة، التي لا تراعي منطقا أو أخلاق او استقرار مجتمع، هي مؤسسات بالأساس تتوازن وتستقر وتستثمر باستقراره.
ليست الأبواب فقط تفتح للمراجعين لبعض المسؤولين «ع الهوية»، بل ثمة مشاريع فاشلة وتمويل «بحجم توريط للناس» يجري ع الهوية.. وأعني هنا بالهوية بطاقة الأحوال المدنية.. !!.
منحُ قروض سيارات للشباب «ع الهوية»، والذي يبحر في النت قليلا، بل يبحث في أي محرك بحث عن العبارة «ع الهوية»، سيجد مواضيع كثيرة،منها القتل على الهوية، والانتخاب، والمحسوبية واستقبال المراجعين.. لكن اكثر ما سيجده اليوم في فضائنا الالكتروني الأردني، هو إعلانات شركات تبيع سيارات للشباب المعدمين والعاطلين عن العمل وعلى الهوية! حيث تتعاقد هذه الشركات مع أشخاص عاديين، استغلوا هذه «التسهيلات»، فأصبحوا يتاجرون بالسيارات بأرباح فاحشة..
يقوم المكتب أو الشركة بالإعلان عن بيع سيارات، حيث يكتفي بوضع صورة سيارة، ويكتب فوقها امتلكها (ع الهوية)..! وقد يضع بعض مميزات السيارة، لكن المسج وصلت وسوف يتهافت كل طفران للسؤال ويقع كثيرون ضحايا لهذه الطريقة من البيع والاستغلال.
القرض باسم صاحب الهوية، ويقوم برهن السيارة التي عرضتها الشركة للبيع، وقد تستوفي بعض الشركات دفعة أولى من ثمن السيارة، يقتسمها صاحب السيارة الفعلي مع الشركة، ليس هذا فقط، بل يقوم أيضا صاحب السيارة بأخذ كمبيالات من (صاحب الهوية)، وهي غالبا مال إضافي، فوق ثمن سيارته الذي استوفاه نقدا، ومن الدفعة الأولى التي دفعها المشتري صاحب الهوية، فسيارة ثمنها مثلا 10 آلاف دينار، قد يبلغ ثمنها في نهاية المطاف 25 ألف دينار، إذ يُمنح قرض للهوية وصاحبها بقيمة 8 آلاف دينار، وبنسبة فائدة قد تبلغ 7% أو أكثر أو أقل، ولفترة يحددها العقد الموقع.. وقد يتم استيفاء 12 أو 15 الف دينار خلال مدة القرض، وفي الوقت نفسه يكون صاحب الهوية متفقا مع صاحب السيارة على مبلغ 13 أو 15 ألف دينار ثمنا لسيارته الذي لا يبلغ على سعر الكاش أكثر من 10 آلاف دينار، وبعد الدفعة الأولى التي دفعها صاحب الهوية، والقرض الذي تم صرفه لصاحب الهوية بضمان رهن السيارة، يأخذه بائع السيارة، ويضاف عليه كمبيالات يكتبها ويوقعها صاحب الهوية للبائع، وقد تزيد قيمة الكمبيالات عن 3 آلاف دينار أو 5..
وتبدأ (لعانة الوالدين) حين يستحق القسط الأول من القرض، فالمقترض لا يملك سوى تلك الهوية، وصاحب السيارة الفعلي والشركة متأكدان من أن الشاب عاطل عن العمل وطفران وربما يكون ما زال طالبا.. وبعد تخلف ابو الهوية عن قسطين او ثلاثة، يتم الحجز على السيارة، ويقوم المحامي بتسجيل قضية على المقترض، ويستحق المبلغ كاملا مع فوائده، ويتم عرض السيارة بالمزاد، وقد يتم شراؤها بطريقة «التوائية»، حيث يدبر مزادا لا يتعدى المزايدين فيه عن شخصين او 5 أشخاص، وكلهم من جماعة المحامي او صاحب السيارة الأصلي او شخص من طرف الشركة، ويكون أعلى مبلغ يطرحونه في المزاد 4 أو 5 آلاف، يدفعونها ثمنا لسيارة، كلفت ابو هوية 20 ألف دينار، سيدفعها من خلال المحكمة وفوائدها وكمبيالاتها ولو طال الزمن.
هذه تجارة تشبه القتل على الهوية، وتبرر ارتفاع اعداد السيارات بالشوارع، وأعداد وأرقام الشيكات والقروض المتعثرة.. وارتفاع منسوب الجريمة.