سلامة الدرعاوي - الخصخصة التي تمت في الأردن خلال العقدين الماضيين تعرضت لعمليات تشويه مزيفة مورست من قبل فئات اعتمدت على أمور شعبويّة بحتة لتحقيق أهداف خاصة بها.
الخصخصة أو التخاصيّة مثلها مثل أي سياسات أو إجراءات حكوميّة، فيها من الصواب والخطأ، والخطأ الذي تم ليس كما يصوره البعض بأنه نهب للمال العام ومدخرات الأردنيين، إنما كان غالبيته يتعلق بالإجراءات التي تمت بها عمليات البيع ومدى التزام الحكومات بمعايير الحوكمة والشفافيّة، وهذه أخطاء جسيمة حدثت في بعض الشركات التي تمت خصخصتها، لكن بالمقابل هناك عمليات خصخصة نجحت بكل ما في الكلمة من معنى، وتم من خلالها تطوير الخدمات وتنويعها، وتوسيع قاعدتها الوظيفيّة والتشغيليّة والإنتاجية، ونجحت كليا في استقطاب أفضل وأقوى الشركاء الماليين والإستراتيجيين في العالم، مما انعكس إيجابا على المناخ الاستثماريّ في المملكة، وساهم إيجاباً في رفع معدّلات النموّ، والسيطرة على معدّلات البطالة.
من ينكر أن تخاصية المطار ناجحة بكل المقاييس الاستثماريّة للدولة، من ناحية الشركاء والنموذج الاستثماري الذي تم من خلاله الخصخصة BOT – البناء والتشغيل وإعادة الملكية – فهناك مطار حديث، يورد للخزينة أكثر من 200 مليون دينار سنويّاً، ناهيك عن وجود ائتلاف استثماري عالمي يدير تشغيله.
ومن ينكر ان تخاصية شركات التعدين حولتها من شركات خاسرة وضعيفة في الإنتاج إلى شركات عالميّة رابحة، مما انعكس على حصة الحكومة التي تضاعفت قيمتها السوقية، وزادت تحصيلات الخزينة من الضرائب والرسوم المفروضة على هذا القطاع.
والكل رأى بعينه الوضع الكهربائيّ في المملكة قبل الخصخصة ومحدودية التوسّع فيه، وعدم تلبية الاحتياجات الطبيعيّة للقطاعات الاستهلاكية المختلفة، وكيف الحال بعد خصخصة الكهرباء والتوسّع الاستثماري الأفقي في القطاع.
ولا أحد ينكر الحالة النوعية التي تحققت في قطاع الاتصالات الذي تمت خصخصته في عام 1998 وبعدها انفتح القطاع على مصراعيه للمستثمرين الذين ضخوا أكثر من ملياري دولار في القطاع، بعدها تنوعت الخدمات بأعلى جودة وبأسعار منافسة، ناهيك على القدرة التوظيفيّة والتشغيليّة العالية التي وفرها الاستثمار في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والذي بات قطاعاً استراتيجيّاً وجاذباً على مستوى المنطقة.
لكن في المقابل هناك عمليات خصخصة لم تحقق للمستثمر العوائد المستهدفة، ولم تحقق أهدافها أصلا، بعضها يتعلق بتدخلات الحكومات، وبعضها نتيجة الفشل الإداري في قيادة هذه المشاريع، مثل الحال في الملكية التي خسر المستثمر الرئيسي فيها عشرات الملايين، لا بل إن الشركة شهدت ما يسمى بالخصخصة المعاكسة، أي أنها عادت إلى حضن الحكومة التي عادت واشترت أسهمها من جديد.
عودة برنامح التخاصية أمر ضروري وملح في هذه الفترة لجذب الاستثمارات سواء الداخليّة أم الخارجيّة، فهناك جمود في التدفقات الاستثماريّة التي تراجعت في آخر عشر سنوات بأكثر من 60 %.
هناك عشرات الشركات التي تمتلك الحكومة فيها أسهما ما بين ملكية كاملة وجزئية، وفيها فرص واعدة لاستقطاب استثمارات خاصة، فالقطاع الخاص لديه قدرة وخبرات عالية في إدارة هذه الشركات بالشراكة الكاملة مع الحكومة، لكن العبرة يجب أن تكون وفق عقلية القطاع الخاص، وباستطاعة الحكومة السير في هذا البرنامج والاستفادة من نقاط الضعف والقوة في برنامج التخاصية الأردنيّ السابق، مع التركيز على مشاركة رأس المال الوطنيّ في المشاريع المستهدفة، فالفرص كبيرة وواعدة وبانتظار قرار جريء يتجاوز الشعبويات وحالة التخبط العقلي الحاصلة لدى فئات تبث الإشاعات والجهل بين صفوف الرأي العام.