زاد الاردن الاخباري -
يمضي الرئيس التونسي، قيس سعيد، قدما على طريق تشديد "قبضته على السلطة" من خلال استفتاء على دستور جديد، لكن هذه المساعي قد تنتظر "كارثة تلوح في الأفق" مع انزلاق الاقتصاد في هوة أزمة عميقة واتساع نطاق المعارضة المناهضة لحكمه، وفق تحليل لرويترز.
وبعد قرابة عام على بدء سعيد الاستئثار بالسلطة، يُتوقع على نطاق واسع أن يعزز استفتاء 25 يوليو من سلطاته فيما يعتبره منتقدون مساعي للارتداد عن المكاسب الديمقراطية لانتفاضة الربيع العربي في تونس عام 2011.
لكن من وجهة نظر سعيد، فإن إعادة كتابة دستور 2014 هو إصلاح للعجز السياسي الذي أصاب تونس منذ الإطاحة بزين العابدين بن علي، وتعهد بحماية الحريات ويقول إنه ليس ديكتاتورا على الرغم من حله البرلمان وحكمه البلاد بمراسيم.
وسيقاطع خصومه التصويت في خطوة احتجاجية تزيد من احتمال إقرار الدستور. ويتوقع المعارضون خطوات لاحقة يتخذها سعيد لتعزيز سلطة الرئاسة والإمعان في إضعاف البرلمان والقضاء.
وبينما ركز سعيد جل جهوده على إعادة تشكيل معالم المشهد السياسي التونسي، يقول منتقدون إنه "فشل" في معالجة المشكلة الأكثر إلحاحا، وهي "الاقتصاد".
وقد دفع الغضب من الأزمة الاقتصادية والمشاحنات السياسية العديد من التونسيين إلى الترحيب بانفراد سعيد بالسلطة العام الماضي، لكن المصاعب تفاقمت منذ ذلك الحين، وأصبح خُمس القوة العاملة يعاني من البطالة وزادت نسبة الفقر إلى أعلى مما كانت عليه قبل انتفاضات الربيع العربي.
وكشف التأخير في دفع رواتب القطاع العام وصعوبة سداد ثمن شحنات القمح عن وطأة الضغوط التي ترزح تحتها خزانة الدولة. وسجل التضخم مستوى قياسيا بلغ 7.8 في المئة.
"انفجار وشيك"
وقال نجيب الشابي، الذي يرأس "جبهة الخلاص الوطني"، التحالف الرئيسي المناهض لسعيد، لرويترز: "الأزمة تتفاقم سياسيا واجتماعيا... وإذا استمرت فالانفجار وشيك".
وأضاف أن عزلة سعيد تتزايد محليا ودوليا معتبرا أن "كل المؤشرات توحي بمزيد من التأزم" وحث على إجراء حوار وطني لمنع "انهيار وشيك".
ولم يرد مكتب سعيد على طلب لرويترز للتعليق على هذا التقرير.
وكان قد قال سابقا إنه يحاول إنقاذ الاقتصاد، وألقى باللوم على الفساد في تراجع المؤشرات الاقتصادية، ووعد باسترداد الأموال التي قال إن النخب سرقتها، وهي تصريحات رفضها المعارضون باعتبارها خطابا شعبويا.
وعلى الرغم من الضغوط التي يتعرض لها سعيد، قال طارق المجريسي، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مؤسسة بحثية، إنه يتوقع أن يمضي الاستفتاء قدما وأن يتم إقرار الدستور، مشيرا إلى عدم وجود حد أدنى للمشاركة المطلوبة.
"كارثة اقتصادية تلوح في الأفق"
وأضاف: "سعيد سيواجه حينها كارثة اقتصادية تلوح في الأفق. ليس لديه الدعم أو مستوى الإدارة الكافية لبناء نظام سياسي جديد، وعندما ينهار الاقتصاد، لن يكون لديك نظام سياسي يمكنه إنقاذه".
ومع تبقي أسابيع قليلة على الاستفتاء، ليس هناك ما يشير إلى قرب حدث سياسي كبير على هذا النحو، فلا توجد لوحات إعلانية تدعو للمشاركة في الاستفتاء.
"الشباب ضائع"
وقال عمر بوترعة (20 عاما) والذي يبيع الملابس المستعملة في منطقة فقيرة بالعاصمة إنه لا يعرف حتى بشأن أمر الاستفتاء. وقال: "الشباب هنا ضائع".
أما مروان المرويني (28 عاما)، وهو عاطل عن العمل، فقال إنه بالكاد يستطيع أن يجد قوت يومه ويريد فقط الهجرة إلى أوروبا. وأضاف: "الفقر عالق بنا" ولن يتغير شيء مع دستور سعيد.
وتلقى الاقتصاد التونسي عدة ضربات متتالية، فقد أضرت جائحة كوفيد بقطاع السياحة الحيوي، قبل أن تتسبب حرب أوكرانيا في زيادة أسعار الوقود والغذاء، ما أدى إلى تفاقم الضغوط المالية.
وبلغ معدل البطالة نحو 18 في المئة العام الماضي.
وتأمل الحكومة في الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من خلال محادثات من المقرر أن تبدأ في غضون أسابيع مع صندوق النقد الدولي، وذلك مقابل إصلاحات تشمل تجميد الأجور. وتقول وزارة المالية إن تونس قد لا تتمكن من سداد ديونها بدون تنفيذ الإصلاحات.
لكن خطة الإنقاذ قوبلت بمعارضة الاتحاد العام التونسي للشغل قوي التأثير والذي جاهر برفضه الإصلاحات وشل تونس بإضراب في 16 يونيو، وتعهد باتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية.
ولم يتخذ الاتحاد العام التونسي للشغل موقفا بعد بشأن الاستفتاء، لكن أمينه العام، نور الدين الطبوبي، دعا إلى "نظام مدني جمهوري يوجد فيه فضاء مفتوح للجميع نعبر فيه جميعا عن إرادتنا. لا نريد العودة إلى العصور الوسطى والعصور الحجرية".
"انعدام الديمقراطية"
وأثارت تحركات سعيد القلق في الغرب، الذي كان ينظر إلى تونس على أنها النموذج الناجح الوحيد للربيع العربي الذي أفضت انتفاضاته في أماكن أخرى إلى صراعات وتجدد حملات القمع.
وبالنسبة لخصوم سعيد، ومن بينهم حزب حركة النهضة الإسلامي، فإن الاستفتاء بصدد تسديد ضربة أخرى لهم على ما يبدو، وباتوا منذ العام الماضي في وضع دفاعي كل ما تمكنوا من فعله خلاله هو التنديد مرارا بتحركات سعيد باعتبارها "انقلابا" دون أن يمتلكوا القدرة على مواجهته.
وما زاد التكهنات بأن الدستور الجديد سيقوض صلاحيات البرلمان والقضاء، قال سعيد إنه سيحدد "الوظائف" وليس "السلطات"، وألمح إلى تغييرات في دور الإسلام بالدستور، وتحديدا ما يتعلق بعبارة طالما ارتكن إليها الإسلاميون تعرف الإسلام على أنه "دين الدولة" لتحل محلها عبارة تقول إن الإسلام هو دين "الأمة" في إشارة إلى العالم الإسلامي.
وبعد عام 2011، انتقلت حركة النهضة، التي كانت محظورة في عهد بن علي، إلى مقاعد السلطة. لكنها الآن ترى مؤشرات أولية على شن نظام سعيد حملة قمع أمنية، وهو تحرك يخشاه معارضو الرئيس منذ فترة طويلة لكنه لم يحدث بشكل كبير.
واحتُجز رئيس الوزراء السابق، حمادي الجبالي، الذي كان عضوا في حركة النهضة، لمدة أربعة أيام في يونيو بسبب ما قال محاميه إنها اتهامات بغسل أموال في حين قال هو إن الاعتقال تم بدوافع سياسية.
واحتج قضاة على إقالة سعيد لعشرات القضاة المتهمين بالفساد وبحماية إرهابيين مزعومين.
وقال علي العريض، وهو رئيس وزراء سابق وقيادي بحزب النهضة، لرويترز: "تونس كانت بالفعل في أزمة العام الماضي"، لكن مع "انعدام الديمقراطية" وتفاقم الفقر والتضخم "نحن في كارثة الآن".