إنني إذ أعرب، عن أسفي من تفاقم نسبة البطالة في صفوف الشباب، الذي نعتبره "الثروة الحقيقية للبلاد"، داعيا الحكومة لإتخاذ مجموعة من التدابير في أقرب الآجال؛ للتخفيف من الظاهرة، والملاءمة بين التكوين والتشغيل وسوق العمل .
ويجب التأكيد على ضرورة وضع قضايا الشباب في صلب النموذج التنموي الجديد، لإعداد إستراتيجية مندمجة للشباب، والتفكير في أنجع السبل للنهوض بأحواله.
لا يمكن أن نطلب من شاب القيام بدوره وبواجبه دون تمكينه من الفرص والمؤهلات اللازمة لذلك. علينا أن نقدم له أشياء ملموسة في التعليم والشغل والصحة وغير ذلك. ولكن قبل كل شيء، يجب أن نفتح أمامه باب الثقة والأمل في المستقبل .
إن "تمكين الشباب من الانخراط في الحياة الإجتماعية والمهنية ليس إمتيازا ؛ لأن من حق أي مواطن ، كيفما كان الوسط الذي ينتمي إليه ، أن يحظى بنفس الفرص والحظوظ من تعليم جيد وشغل كريم".
وإذ أعرب عن أسفي وعدم الرضا من نسبة البطالة في صفوف الشباب الأردني ، "غير أن ما يحز في نفسي أن نسبة البطالة في أوساط الشباب تبقى مرتفعة. فمن غير المعقول أن تمس البطالة شابا من بين أربعة أو خمسة ، رغم مستوى النمو الاقتصادي الذي يحققه الأردن على العموم. والأرقام أكثر قساوة في المجال الحضري".
ورغم المجهودات المبذولة، والأوراش الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية المفتوحة، فإن النتائج المحققة تبقى دون طموحنا في هذا المجال. وهو ما يدفعنا، في سياق نفس الروح والتوجه الذي حددناه في خطاب العرش، إلى إثارة الانتباه مجددا، وبكل استعجال، إلى إشكالية تشغيل الشباب، لا سيما في علاقتها بمنظومة التربية والتكوين .
كما أوجه انتقادي للنظام التعليمي، إذ لا يمكن أن نقبل لنظامنا التعليمي أن يستمر في تخريج أفواج من العاطلين، خاصة في بعض الشعب الجامعية، التي يعرف الجميع أن حاملي الشهادات في تخصصاتها يجدون صعوبة قصوى في الإندماج في سوق الشغل. وهو هدر صارخ للموارد العمومية، ولطاقات الشباب، ما يعرقل مسيرات التنمية، ويؤثر في ظروف عيش العديد من الأردنيين .
ومما يحمل على الإستغراب صعوبة إيجاد الكفاءات اللازمة في العديد من المهن، "والغريب في الأمر أن الكثير من المستثمرين والمقاولات يواجهون، في نفس الوقت، صعوبات في إيجاد الكفاءات اللازمة في مجموعة من المهن والتخصصات".
كما أن العديد من الشباب، خاصة من حاملي الشهادات العليا العلمية والتقنية، يفكرون في الهجرة إلى الخارج، ليس فقط بسبب التحفيزات المغرية هناك، وإنما أيظا لأنهم لا يجدون في بلدهم المناخ والشروط الملائمة للشغل والعمل ، والترقي المهني، والابتكار والبحث العلمي. وهي عموما نفس الأسباب التي تدفع عددا من الطلبة الأردنيين في الخارج لعدم العودة للعمل في بلدهم بعد استكمال دراستهم .
يجب الإنكباب بكل جدية ومسؤولية "من أجل توفير الجاذبية والظروف المناسبة لتحفيز هذه الكفاءات على الاستقرار والعمل في الأردن" .
و من أجل التصدي للإشكالية المزمنة، للملاءمة بين التكوين والتشغيل، والتخفيف من البطالة، الحكومة والفاعلين لاتخاذ مجموعة من التدابير، في أقرب الآجال، تهدف على الخصوص إلى القيام بمراجعة شاملة لآليات وبرامج الدعم العمومي لتشغيل الشباب، للرفع من نجاعتها، وجعلها تستجيب لتطلعات الشباب .
وبموازاة ذلك، ندعو لإعتماد اتفاقية إطار أقوى بين الحكومة والقطاع الخاص؛ لإعطاء دفعة قوية في مجال إعادة تأهيل الطلبة الذين يغادرون الدراسة دون شواهد، بما يتيح لهم الفرص من جديد، لتسهيل إندماجهم في الحياة المهنية والاجتماعية .
كما يجب على الحكومة ضرورة "وضع آليات عملية كفيلة بإحداث نقلة نوعية في تحفيز الشباب ، فكيف نريد أن نعطي المثال إذا كانت إدارات ومؤسسات الدولة لا تحترم التزاماتها التي قطعتها أمام جلالة الملك ، فخير دليل على ذلك ماحدث في التعيينات الأخيرة ، من تعيين رؤساء وأعضاء مجالس الجامعات الأردنية الحكومية و الخاصة اعتباراً من تاريخ 2/6/2022 ولمدة أربع سنوات .
يجب "وضع آليات جديدة تمكن من إدماج جزء من القطاع غير المهيكل في القطاع المنظم، عبر تمكين ما يتوفر عليه من طاقات، من تكوين ملائم ومحفز، وتغطية اجتماعية، ودعمها في التشغيل الذاتي، أو خلق المقاولة"، و"وضع برنامج إجباري على مستوى كل مؤسسة، لتأهيل الطلبة والمتدربين في اللغات الأجنبية لمدة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وتعزيز إدماج تعليم هذه اللغات في كل مستويات التعليم، خاصة في تدريس المواد التقنية والعلمية".
إن قضايا الشباب لا تقتصر فقط على التكوين والتشغيل، وإنما تشمل أيضا الانفتاح الفكري والارتقاء الذهني والصحي .
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي