بقلم: الدكتور أحمد الحايك - تعد جرائم القتل من ابشع الجرائم التي عرفتها البشرية والتي حاربتها كل الديانات السماوية وعلى رأسها الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية على السواء ، وعاقبت عليها بأشد العقوبات، لما فيها من فتنة وعدم الطمأنينة بين الناس، فلا يوجد شر أعظم من القتل ، فالانسان الذي يفتقر الى الحد الادنى من الانسانية يتحول الى وحش، يمارس سلوك الحيوانات المتوحشة التي تقتل فريستها من غير عطف وبلا رحمة. هل يعقل ان تصل الامور للبعض ان يتحول الى حيوان كاسر، يهون عليه اراقة دم نفس بريئة من غير وجه حق، هل اصبحت النفس البشرية بلا قيمة ولا كرامة، حيث حفظ الإسلام للإنسان حقّه في حياة آمنة بلا رعب ولا ترويع فيها، فجعل نفسه معصومةً، ودمه حرام، وإنّ قتل النّفس بغير حقّ كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ)، وفي سبيل ضمان ذلك جعل الاعتداء عليه بالقتل جريمة تستحقّ القصاص، حيث قال سبحانه: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)، كما برأ النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من القاتل الغادر الذي يأمن الرجل فيقوم بقتله.
انّ وجود الأمن ضرورة من ضرورات الحياة، والأمان في حقيقته ومعناه لا يكون إلّا مع الإيمان. حيث إننا نعيش في (دنيا آخر وقت) التي أخبرنا عنها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه يكثر فيها القتل، في الوقت الّذي يتخلى فيه النّاس عن عقولهم، عَنِ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ)، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: (الْقَتْلُ)، قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ، إِنَّا لَنَقْتُلُ كُلَّ عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيُخَلَّفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسِبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ). وها نحن نرى اليوم انتشار مثل هذه الظّاهرة الخطيرة، ألا وهي: القتل والاقتتال وسفك الدّماء بدون حقٍّ، حيث رأينا قتل الجار لجاره لأتفه الأسباب، و قتل الأب ابنه، أو قتل ابنته بداعي الشرف، والابن لأبيه، والابن لأمه، والزوج لزوجته، والزوجة لزوجها ، ناهيك عن متعاطي المخدرات التي تفقدهم عقولهم ويرتكبون جرائمهم بدم بارد، حيث انتشر قتل النّاس بعضهم بعضاً وأراقوا دماء بعضهم بسبب ومن غير سبب. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتِل".
هل يعقل أن يقدم مجرم متهور على قتل فتاة بريئة شريفة عفيفة بدم بارد ويتركها غارقة بدمائها في حرم جامعتها التي يفترض ان تكون مكان آمن، وهل يعقل أن يقتل مجرم فتاة بريئة لانها رفضت الزواج منه. وفي احدى الدول العربية قتل زوجته لأنها نسيت اضافة السكر للشاي فذهب للمبطخ واحضر السكين وطعنها في عنقها فأرداها قتيلة. وأخرى قتلها زوجها بسبب مشادة كلامية تصاعدت إلى أن قام الزوج بضرب زوجته بالشاكوش على رأسها وفارقت على أثرها الحياة. وأخرى قتلها زوجها بسبب خلفة البنات ، حيث كان إنجابها للبنات هو السبب الذي فارقت على أثره الحياة بعد أن ألقاها الزوج من شرفة المنزل بالدور الخامس بعد إتهامه لزوجته بفشلها في إنجاب مولود ذكر يحمل اسمه. ورجل يقتل زوجته بسبب ملح زائد في الطعام لأنه يعاني من ارتفاع في ضغط الدم، حيث "كان طفله الصغير يبكي ويتوسل إلى والده لكي يتوقف عن ضربها"، لكن المتهم استمر بضرب زوجته، ثم خنقها وأرداها قتيلة، ومجرم اخر يقتل زوجته ويسفك دمها، لأنها رفعت عليه قضية طلاق في المحكمة.
ان اعدام امثال هؤلاء واجب وطني ولا يجوز ان يعيشوا على هذه الارض الطاهرة بل يجب سحلهم في الشارع حتى الموت ليكونوا عبرة لغيرهم . كما لا بد من تكثيف حملات التوعية وعدم ربطها بحادثة محددة ، كما يتطلب التركيز على التربية، ويتطلب أيضا التحرر من ثقافة الصمت إزاء العنف، وتطوير مؤسسات الرقابة والرصد سواء التابعة للدولة أو للمجتمع المدني لوضع الإستراتيجيات الدقيقة والفعالة لمنع هذه الجرائم أو الحد منها، وينبغي أيضا تشجيع مؤسسات الدولة على أخذ شكاوي العنف ضد النساء على محمل الجد.