ما إن يقع حدث ما، أو تمر البلاد في ظرف استثنائي، حتى تبدأ أصوات الانتقاد والنقد تعلو تحديدا على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ذلك حقٌ كفله الدستور بأن يعبّر الجميع عن رأيه بكل حرية، وما هو لافت للانتباه أن أصواتا تصمت وقت الانجازات لتظهر وتعلو في حال وقوع أي حدث سيئ، أو حادث سلبي، حتى أن بعض الأشخاص تستوقفنا آراؤهم وردات فعلهم التي لا تغادر مساحات النقد السلبي بالمطلق لكل ما تشهده البلاد، وكأننا لم نشهد يوما سوى الأحداث السلبية، ولا مكان للانجازات.
من حيث المبدأ والواقع، يحق لكل انسان أن ينتقد سلبا، ويعبّر عن موقفه أيّا كان بحرية ووضوح تحديدا على وسائل التواصل الاجتماعي، فهي مساحات افتراضية، لكنها شخصية يمارس مستخدموها التعبير كما يشاؤون، لكن علينا هنا أن نفرّق بين النقد وبين اغتيال الشخصية، أو الشتيمة أحيانا، أو بث روح التشاؤم وتقليل حجم المنجزات، وجعلها استثناء في حين يجعل من السلبيات هي الأساس في حياتنا، وفي هذا ابتعاد تام عن مفهوم النقد الصحيح، والصحي، وللأسف أن هذا هو السائد اليوم بمجرد وقوع حادث أو ظرف استثنائي، نلحظ ماراثون نقد سلبي تتسابق به أصوات تغرّد خارج سرب الحقيقة والواقع، وتغيّب أي ايجابيات تحيط بالحدث أو بالبلد بشكل عام.
ثقافة النقد، هي ثقافة يمكننا القول اليوم إننا بحاجة لوضعها في مكان متقدم من الاهتمام، بدءا من المدرسة وصولا للجامعات وفي الخطابات الاعلامية والدينية وغيرها من الوسائل التي يمكن أن تجعل منها ثقافة حاضرة، ولكن بمسؤولية وبشكل صحي تجعل من النقد أداة للتغيير الايجابي والاستفادة منه في تغيير أي أخطاء او سلبيات للأفضل، نعم نحن اليوم بحاجة لوجود ثقافة للنقد بصورة تمنع السلبيات وتعظّم المنجزات، ثقافة تعمل على معالجة الخطأ لا أن نعززه أو نعالجه بخطأ أكبر، وهذه أبسط أبجديات النقد البنّاء ولو كان سلبيا، فلا بد من وضوح أسسه والبناء عليها بشكل حقيقي لضبط ايقاع ثورات النقد السلبي التي تلحق بكل حدث تشهده البلاد.
تحتاج ثقافة النقد لاحترام الآخر، والاستناد إلى حقائق في النقد لا أن يبني المنتقدون على أفكار مغلوطة في أذهانهم، بعيدة كل البعد عن الواقع، وأن يتم طرحه بأسلوب مقبول، ذلك أن الناقد يريد الأفضل وغاية نقده أن يرى الوطن أفضل، الأمر الذي يفرض عليه استخدام أسلوب جيد في النقد حتى يحقق غايته في نقده، فالنقد لأي ظاهرة أو حدث أو ظرف في بُعده السليم يتم لغايات الاستفادة منه في تصويب الخطأ، لا أن يكون وسيلة هدم بأن ينقد لغايات النقد والاعتراض، كما أننا بحاجة من مكرري الانتقادات الحديث أيضا عن المنجزات والايجابيات والتي تتجاوز بعددها دون أدنى شك السلبيات.
لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا في ظل اتساع مساحات التعبير اليوم، أصبح النقد مهارة لا يتقنها الجميع، وباتت ثقافة النقد حاضرة بقوة، وبأهمية كذلك على أن تكون صحية وسليمة ومسؤولة، بقدر أهمية النقد، تبرز أهمية تعزيز ثقافة النقد في اطارها الصحيح، البنّاء، سيما إذا كان الهدف من النقد دوافع ايجابية مبعثها حب الوطن والأماني له بالأفضل دوما، بالتالي يجب أن تكون هذه الثقافة حاضرة ولكن بمسؤولية وبانصاف، والابتعاد عن الاساءات والشتائم، وكيل الاتهامات دون الاستناد إلى أي حقائق، فهذا النقد البنّاء مطلوب ولن يجد من يرفضه.