أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
البستنجي: قرار إعفاء السيارات الكهربائية حل جزء من مشكلة المركبات العالقة في المنطقة الحرة ارتفاع الشهداء الصحفيين في غزة إلى 189 بالتفاصيل .. اهم قرارات مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة اليوم الصحة اللبنانية: 24 شهيدا في غارات على البقاع الأردن .. السماح للمستثمرين في مشاريع البترول بتقديم عروض دون مذكرات تفاهم كولومبيا والنرويج يلتزمان باعتقال نتنياهو ارتفاع ضحايا مجزرة بيروت ومصدر ينفي استهداف قيادي بحزب الله انتخاب الأميرة آية بنت فيصل رئيسة لاتحاد الكرة الطائرة (وكلاء السيارات) تعلق على القرار الجديد حول ضريبة المركبات الكهربائية رويترز: أوكرانيا خسرت أكثر من 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في كورسك الروسية وزير الدفاع الأميركي يشدد على التزام بلاده بحل دبلوماسي في لبنان أبو عبيدة: مقتل أسيرة في غزة والخطر يهدد حياة أخرى إيلون ماسك: أمريكا تتجه بسرعة كبيرة نحو الإفلاس الأردنيون يقيمون صلاة الاستسقاء اشتعال مركبة بخلدا وبطولة مواطن تحول دون وقوع كارثة قرار حكومي جديد حول ضريبة السيَّارات الكهربائيَّة أول تعليق لإردوغان على مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتانياهو المرصد العمالي: الحد الأدنى للأجور لا يغطي احتياجات أساسية للعاملين وأسرهم الديوان الملكي: الأردن يوظف إمكانياته لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان ترمب يرشح الطبيبة الأردنية جانيت نشيوات لمنصب جراح عام الولايات المتحدة
برقت عيناي دمعا عليك
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة برقت عيناي دمعا عليك

برقت عيناي دمعا عليك

03-07-2022 04:40 AM

ماهر أبو طير - كان يبلغ من العمر أربعة وثمانين عاماً، انحنى ظهره بشدة، يستعمل نظارة سميكة الزجاج، يمشي بصعوبة، وفي يده عصا يتوكأ عليها، يخرج كل يوم من بيته إلى المسجد، والمسافة الفاصلة بين البيت والمسجد، ثلاثة كيلومترات يمشيها يوميا، إلا إذا توقف له أحدهم ليوصله بسيارته.
كنت أراه في المسجد، أحيانا، وبالذات في صلاة الجمعة، وأهل الحي يعرفونه، والكل يتسابق من أجل إعادته إلى منزله بعد الصلاة، وذات مرة اقتربت منه، وكان لي النصيب بأن أعيده إلى منزله، وفي الطريق كلام وحوار، حول كل شيء، بوجهه السمح، ولهجته التي تقترب من لهجة أهل الرمثا.
بقيت أراه على مدى فترة ليست قصيرة، لا يترك صلاة في هذا العمر، إلا ويصليها في المسجد، تمطر الدنيا، وتبرق وترعد، لكنه يخرج في هذا العمر إلى المسجد، ترتفع الحرارة، أو تشتد الشمس، لكنه لا يتغير، وكثيرا ما أصادفه، وغيري من أهل الحي، في مواعيد الصلاة، وتارة يساعدونه بإيصاله وإعادته، وتارة يصعد الطريق مشياً إلى المسجد، كونه في تلة أعلى من بقية بيوت الحي، وفي كل الأحوال، لا يغيب الرجل عن صلاته، في هذا العمر، برغم التعب والمرض.
سافرت لمدة طويلة، حين عدت إلى عمّان لم أجد الرجل في صلاة الجمعة، خشيت عليه، وهو المريض، والذي كان يراجع كل عيادات الأردن، وكان يحدثني كيف أن أطباء الأردن، يرفضون أخذ الكشفية منه، وكيف أن بعضهم يدفع له ثمن الدواء، وبعض الصيدليات تتساهل معه، وكدت مرة أن أقول له، إن خلف وجوهنا المرهقة والعابسة، قلوب طيبة وضمائر طاهرة.
قلقت بسبب غيابه، لكنني لم أسأل عنه أحدا، وقمت بمحاولة الاتصال على هاتفه الخلوي، لكن الخط كان مفصولا، ذهبت إلى بيته، وطرقت الباب فلم يرد لا هو ولا عائلته، طرقت الباب مرات ومرات، ولست أعرف لماذا أحسست مجرد إحساس أن البيت خال من الأثاث، وأن العائلة ليست فيه، ربما صدى الطرقات على بوابات الغائبين، لغة مشفرة، يفكها المتحيرون في هذه اللحظات.
في الجمعة التالية، اقتربت من أحد رواد المسجد، فقلت له لم أعد أرى أبا محمد السوري هنا، قال لي لقد وافقوا على هجرته إلى كندا، هو وابنه الذي يعيش معه، وزوجة ابنه، وأحفاده، وابنته وابنتيها الذين يعيشون في شقة واحدة منذ سنوات طويلة في الأردن، بين الناس، بكل ود واحترام.
برقت عيناي دمعاً على الرجل الطاعن في السن، وعادت بي الذكريات إلى أحاديثه، فقد كان يعيش في درعا في سورية، ويعمل في شبابه في زراعة القمح، وكان يحدثني دوما عن حنينه إلى سورية، وإلى ذكريات الشباب حين كانوا يمضون أعمارهم في الحقول، وزراعة القمح، في بلاد غنية، وكيف أن الأيام دارت بهم وخرجوا من سورية إلى الأردن عام 2011، بسبب الحرب، ومنذ ذلك الوقت يعيشون في الأردن، بين الناس، ويجدون ملاذاً، برغم الضنك في هذا البلد.
تلعن الحرب في سرك وعلنك، فالحرب تُخرج رجلا من درعا إلى كندا، مرورا بالأردن، وتسأل نفسك كيف سيتكيف رجل ثمانيني في كندا، وقد اعتاد على أنماط محددة بين سورية والأردن، وغادر وبرفقته ابن وابنة، وأحفاد صغار، وتنهمر الأسئلة على رأسك عن هذه الخسائر التي تنزلت على السوريين في حياتهم، فالملايين هاجروا، بعضهم غادر بالقوارب إلى اوروبا، وبعضهم لم ينج في هذه الرحلات، وبعضهم جاء إلى الاردن ولبنان وتركيا ومصر، حتى انني تعرفت على سوريين تجنسوا بالجنسية السودانية في عهد الرئيس السوداني السابق بحثا عن أمل في هذه الحياة.
ما زلت أراه يحمل عصاه، ويبحث عن مسجد في الحي القريب، في مدينته التي يسكنها في كندا، ومرات أشعر بعدم قدرته على الوقوف خارج منزله البعيد بسبب شدة البرد، لكنني في كل الأحوال أشعر بألم بالغ، على كل ملايين العرب الذين تشردوا من ديارهم، في فلسطين، والعراق، وسورية، واليمن، والسودان، والصومال، وغيرها من دول ابتليت بكل أنواع البلاءات في هذا الزمن.
لن يقرأ أبو محمد، مقالي هذا، فهو بعيد جدا، لكن طيفه ما يزال هنا في حوران وما حولها.








تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع