الدكتور المهندس أحمد الحسبان - عندما يتوفى الله الانفس حين موتها، لا تعود للدنيا، الا على شكل طيف رؤيا لأحد ذويها عند التقاء الارواح في المنام - أحيانا، وعندها لا يخبر الا عن حاله، اما بلسان حال او مقال، وذلك لأن وقت امتحانه الدنيوي قد انتهى، ووضعت اقلامه، وجفت صحيفته، ووجب تسليمها للتصحيح، لا للاضافة عليها ولا للحذف منها، والخريج عادة لا يعود لجامعته الا زائرا، ولا يهمه حال الطلبة على مقاعد الدراسة.
الامور تكاد تشبه امتحان ثانوية عامة او جامعة، يقدم فيها صاحب الشأن ما لديه، ويخرج من طريق آخر غير تلك التي دخل منها، ولا يعود للقاعة ابداً بعد تسليم ورقته. لا يعود المتوفى ليخبر من وراءه كيف مات، او ماذا سئل، فالسير باتجاه واحد لا يحتمل العودة باتجاه معاكس، ولا يوجد اية اشارة سوى اشارة واحدة، ( فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَآ أَخَّرْتَنِىٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ قَرِيبٍۢ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ)، المنافقون/١٠.
وذلك لأن المال شهوة الجميع، صغيرا كان ام كبيرا، شابا كان ام طاعنا بالسن، ذكرا كان ام انثى، وهو ليس كباقي الشهوات، كشهوة النساء والبنين والخيل المسومة، التي هي مناطة بمراحل عمرية معينة او بجنس معين، بل هو شهوة لا ترتبط بجنس ولا بعمر، لذا لا ضير لو عرف جواب هذا السؤال مسبقا قبل الموت، فمن تسيطر عليه شهوة المال لن يجيب سؤاله حتى ولو عرف الاجابة مسبقاً بالصدقة والانفاق، والصدقة قد تكون بابتسامة، وهذا تحدٍ صارخ للبشر كلهم لشهوة غريزية لا تقاوم - وقد لا يوق شح النفس فيها لا تعاملا ولا مالا.
اذا شوهد المتوفى برؤيا لا يتكلم عن غيره، هو مهتم بنفسه فقط، قد يكون ذلك لهول ما رأى، أو لعدالة الاجابات، او لحكمة يعلمها الله وحده، وقد يظهر لأحد ذويه مرة او مرتين بحالته التي هو عليها، وبدون كلام احيانا، ثم يستمر بسبات البرزخ لوحده، لا يهمه امر الدنيا كلها، فقد سلم ورقة اجاباته، وينتظر الحساب ويخافه، بالعكس، هو يفر من امه وابيه، وصاحبته واخيه، وحتى من بنيه الذين افنى عمره من اجل تأمين مستقبلهم - يا للغرابة!، ومن كل عشيرته التي كانت تؤويه، انها قمة الانانية الذاتية، لأن المصلحة عليا، مصيرية، وخالدة.
هذا الامتحان مكون من ورقتين؛ احداهما عامودية والأخرى افقية، الاولى العامودية تحوي أسئلة مع الله تعالى، جوابها بتوحيده وعبادته، والثانية الافقية تحوي أسئلة مع العباد، أجوبتها بحسن معاملتهم بطيب الاخلاق، والمعدل النهائي للفوز من عدمه يتطلب النجاح بكلتيهما، ولا يغني النجاح بإحديهما عن النجاح بالاخرى، فالمفلس من اتى الله بصلاة وصيام وزكاة، وقد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا؛ فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته؛ فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار. وكذلك اهل الاخلاق الغربية الرائعه؛ لن تفيدهم ما لم يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا.
خلاصة القول؛ عندما تسلم الأوراق باجاباتها وقت الموت، ينتهي عمل ابن آدم الا من الثلاثة المعروفة، ولا يعود ليخبر من خلفه بما رأى او بما لاقى، تلك هي الاسئلة والأجوبة، وأصعبها - الذي غالبا ما يؤجل لنهاية الامتحان على نظرية ابدأ بالاسهل - هو الصدقات، وعلى رأسها فرض الزكاة. والصحيح انه لا يفترض ان ننتظر احدا ليخبرنا بما حدث، فكل شيء واضح تم شرحه مفصلا من قبل الرسل والانبياء، يفترض ان نركز بورقتي الاجابة فقط، حيث بعدها - اللهم نفسي.
من مقالات - الصمت في عالم الضجيج.
الدكتور المهندس أحمد الحسبان