زاد الاردن الاخباري -
إن هناك حلقات فكرية مطموسة ومفقودة من المنظومة الفكرية الإسلامية العامة، ومن أهمها فكرتي ( الأمن والهدى ) وإذا ما تحققت المعرفة التامة لهما سوف تُعرَف وتتضح مسائل عديدة على أثر معرفتهما، وسيكتشف المؤمن عوالما فكرية فسيحة ورحبة لم يحسب إنها موجودة بعد ما غيبها الله عز وجل عن وعيه ومداركه، حيث سيتمتع المؤمن بعقل الهدى والرشد الذي توجده المدرسة الربانية أو الفلسفة الإسلامية في التربية والتعليم، وسيعرف الفرق بينه وبين عقل المعيشة أو عقل الوظيفة وتمشية الحال، وهو العقل السائد الذي توجده الفلسفة الغربية في التربية والتعليم .
قال تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون (82) الأنعام … ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أي ( بشرك ) .
( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم (13) لقمان
( لهم الأمن ) من ضلال الشيطان وفساده وذلَِّه وضنكِه، ومن سوء الخاتمة وعذاب القبر وعذاب يوم القيامة ونار الله الحامية .
و( لهم الأمن ) تعني ( لهم الأمن الروحي والفكري ) فالأمن الروحي يتحقق بعد ما يُحفظ المؤمن من تسلط وتلبس وهيمنة الشيطان وعلى إثر ذلك يتحقق له الأمن الفكري، حيث يكون محصلتهما ( الهدى ) ( وهم مهتدون )، ويتحقق الأمن الفكري للإنسان في أحسن صوره وأعلى درجاته عندما يصبح مدركا لحقائق الأشياء .
( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (99) إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (100) ) النحل ، به مشركون، أي بالله مشركون . والسلطان تعني هيمنة وتسلط وتمكن الشيطان من تلبس الإنسان ومن بناء أفكاره ومفاهيمه وتصوراته ومن التقام قلبه وخطفه وتوجيهه والتلاعب بمشاعره وتوجيه شعوره ومن مشاركته بخطواته في الحياة، ففقدان الأمن الروحي يأتي وراءه تلقائيا فقدان الأمن الفكري واتباع خطوات الشيطان في بعض أو في كل مجال من مجالات الحياة، وعلى رأسها المجال الديني والسياسي والاجتماعي والفكري والثقافي .
( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) ) المجادلة .
الود هو ( الحب مع الإتباع )، إن توجيه مشاعر الود للحكام الظلمة الذين لا يحكمون بشرع الله عز وجل من أعمال الشيطان الذي تلبس الإنسان واستقر في جوفه والتقم قلبه، وأن يكتب الله جل شأنه في قلبك الإيمان وأن يؤيدك بروح منه حيث يتحقق أمنك الفكري في أحسن صوره وأعلى درجاته أفضل من أن يسكنه الشيطان فيطمس بصيرتك حيث يجعلك أعمى البصيرة ولا تدرك حقائق الأشياء، وهو حال علماء ومشايخ السلطة والمتاجرين بالدين، وفي الحقيقة إنهم مهما ارتقوا بالرتبة الوظيفية والإجتماعية تحت جناح الدولة التي لا تحكم بكل شرع الله عز وجل لا يخرجون من كونهم مطايا للشياطين، فهم ليسوا أحسن حالا من الحكام الظلمة ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (113) ) هود .
إن الحكام الظلمة وعلماء ومشايخ السلطة والمتاجرين بالدين يمثلون شريحة أساسية من شرائح الذين فشلوا أمام سنة الإبتلاء ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) ) الكهف . فعلى المؤمن أن يحذرهم وان ينتبه لنفسه حتى لا يستمر بالفشل أمام سنة الإبتلاء .
إن غياب تلك الحقيقة بتفاصيلها سببه حكم المسلمين منذ بداية الملك العاض من قبل ملوك لم يقتدوا بالنبي ﷺ حيث فقدوا أمنهم (الروحي والفكري ) بسبب إشراك أهوائهم بالذكر الحكيم، كالتوريث وكجعل طواف المجتمع المسلم في فلك أفكارهم الخاطئة والفاسدة وفي فلك الأشياء وليس في فلك أفكار الرسالة، وكما كان يفعل قياصرة الروم و أكاسرة الفرس المشركين، وأما حكام المسلمين حاليا فحدث ولا حرج .
إن تلبس وتسلط وهيمنة الشيطان على الإنسان مع انعدام الشعور بما جرى عقوبة شديدة وضعها الحاكم المطلق للوجود القائم جل شأنه وبيَّنها عز وجل في آيات محكمات بينات كما وضع غيرها من السنن والقوانين، وتجاهلها أو التعامي عنها لن ينفي أو لن يعطل جريان العقوبة على المشركين مهما تقدم الزمن وتطورت الوسائل وتفلسف المتفلسفون، بل يوهم من جرت عليهم العقوبة إنهم على خير ويتمتعون بالأمن الروحي والفكري وهم في الحقيقة ليسوا كذلك .
( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )
( يَعْشُ ) أي يعرض ويصد .
قال ابن عباس : ( وَمَن يَعْشُ )، يقال عشى يعشى عشا إذا عمي فهو أعشى يتغافل ويتعامى .
( ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ ) أي القرآن الكريم
لا هدى إلا لمن اتقى وبالنبي قد اقتدى.
المفكر الإسلامي / محمد عبد المحسن العلي- الكويت