سلامة الدرعاوي - أكثر شيء مُلفت في مشروع قانون تنظيم بيئة الاستثمار، هو نزع صلاحيات منح الإعفاءات من وزارة الاستثمار لصالح لجنة وزاريّة في مجلس الوزراء، وهو الأمر الذي آثار حفيظة العديد من جهات القطاع الخاص التي شاركت الحكومة في حوارها حول مسودة القانون المثير للجدل، رغم أن النقاش بين المعنيين ما زال في بدايته، لكن المفاجآت التي تضمنها القانون كانت مثيرة للتساؤلات المشروعة.
فعلا لماذا تصرّ الحكومة على هذه اللجنة رغم أن الهدف المعلن للقانون الجديد هو تحسين بيئة الاستثمار وتحفيزها وتبسيط الإجراءات على المستثمرين؟
إجابات الحكومة في لقاءاتها مع القطاع الخاص حول أسباب تأسيس هذه اللجنة الوزاريّة، هو أن الأمر في السابق كان يتم بموجب لجنة موظفين داخل مؤسسة تشجيع أو هيئة الاستثمار الذين كانوا يمارسون أعمالهم بشكل بطيء ومعيق للاستثمار نتيجة عدم قدرتهم على اتخاذ القرارات.
طبعا هذه الإجابة فتحت التساؤلات على مصراعيها من عدة جوانب، فاللجنة السابقة التي تتحدث عنها الحكومة بأنها مُشكّلة من موظفين وهي لجنة الحوافز تم تأسيسها وفق قانون تشجيع الاستثمار أولاً، كما أنها تمارس عملها المناط بها بمنح الإعفاءات للمستثمرين حسب ما هو منصوص أيضاً عليه بالقانون في تحديد نسب الإعفاءات لكل قطاع اقتصاديّ يرغب المستثمر بالاستثمار فيه ثانيا.
وبالتالي إذا كان الخلل المقصود بأن الموظفين لا يملكون الصلاحيات، فإن الخلل كان بالقانون نفسه الذي منحهم شكل الصلاحيات وحددها بنسب معينة لا يستطيع أحدهم أن يتجاوزها إلا من خلال مجلس الوزراء.
وإذا كان المقصود أيضا بالبيروقراطية العقيمة في موضوع النافذة الاستثمارية، فإنها هي الأخرى مناطة بالقانون والأنظمة التي وضعت قيودا على المفوضين في النافذة وأجبرتهم على الرجوع إلى وزاراتهم ومؤسساتهم، وعدم منحهم الصلاحيات التي تخولهم بالإسراع في منح التراخيص والتفويضات.
إصرار الحكومة على انتزاع صلاحيات منح الإعفاءات للمستثمرين فيه اعتداء مباشر على صلاحيات وزارة الاستثمار التي يجب أن تكون بموجب القانون هي الجهة الرئيسة المخولة بمنح هذه الإعفاءات، فإذا تم سحب هذه الصلاحيات من الوزارة التي تم تأسيسها حديثا، فماذا تبقى لها من أعمال إذا؟
وجود لجنة وزاريّة لمنح الإعفاءات، هو إجراء يخالف قواعد الحاكمية في العمل العام، لأن ذلك يفتح باب المزاجية في التعامل مع المستثمرين بعيداً عن العمل المؤسسي المبني على بنود قانونيّة وأنظمة واضحة، ويفتح شكلا من أشكال الفساد في المستقبل، فالذي له دالة كبيرة على أعضاء اللجنة الوزاريّة سيحصل على شيء قد يكون أفضل وأكبر من الذي ليس له معرفة جيدة فيهم وهكذا.
اللجنة الوزاريّة لمنح الإعفاءات هي تعزيز لنهج اللجان الفرعية التي اعتادت الحكومات على تشكيلها للالتفاف على القوانين والأنظمة مع فارق أن هذه اللجنة سيتم تأسيسها وفق أحكام القانون الجديد للاستثمار، أي أنه سيتم شرعنة هذه اللجان التي ستكون صاحبة صلاحيات كبيرة في منح الإعفاءات والتسهيلات.
الأصل أن تكون الإعفاءات واضحة والجهة التي تمنحها واضحة ومحددة أيضاً وهي الوزارة فقط، وفي حالة وجود مشاريع إستراتيجيّة كبرى لها وضع خاص، فإن الأمر يذهب للوزارة للنظر والتعامل الاستثنائي معه.
هذه اللجان وغيرها يجب أن تُلغى بموجب التشريع الجديد المنظم لبيئة الاستثمار، والعمل المطلوب هو إزالة اللجان من القانون الجديد، فالأردن ليس بحاجة إلى كل هذه التعقيدات في بيئة الاستثمار بقدر ما هو بحاجة إلى بساطة الإجراءات والوضوح في الرؤية الاستثماريّة والأهداف، فكل ما نحن بحاجة إليه هو معاملة الأردن كمنطقة استثماريّة واحدة، ووجود نقطة واحدة للتراخيص، ووضوح الحوافز بالقانون بعيدا عن لجنة الحوافز، وإزالة الخلط بين مجلس الاستثمار ومجلس الوزراء، ودمج قانون الشراكة مع قانون الاستثمار.
سيكون هناك تحليلات عديدة لبنود مسودة قانون تنظيم بيئة الاستثمار في هذه الزاوية الاقتصاديّة لتسليط الضوء على كل مواطن الضعف التي أظهرتها النقاشات الأولى لمشروع القانون.