مهدي مبارك عبد الله - في ظل ما يعانيه الكيان الإسرائيلي من ازمة سياسية مفصلية وحادة ناجمة عن عدة أسباب متراكمة في مقدمتها هشاشة وتناقض التحالفات الحكومية القائم وضمن محاولة مكشوفة لتصدير مشكلاته السياسية الداخلية باتجاه الأردن لخلط الأوراق والتشويه والإساءة من خلال تأليب السياح الأجانب بعدم زيارته خلال فصل الصيف الحالي رغم علمهم المسبق بحاجة الأردن الاقتصادية لسيولة العائدات السياحية المهمة في هذا الوقت بالتحديد
التحذيرات الاسرائيلية المتكررة تأتي على خلفية سياسية بحتة من اجل تحلل الكيان من التزامات العودة الى طاولة المفاوضات وفقا لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ارضي الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية التي يطرحها الأردن والتي عجزت المحاولات الأمريكية عن تحريكها بعد تزايد العنف والقتل ضد المدنيين الفلسطينيين وتصاعد وتيرة زرع المستوطنات الجديدة في مختلف أراضي الضفة الغربية المحتلة
الافتراءات الإسرائيلية ضد مسيرة السياحة الأردنية تتزامن مع هجمة إعلامية مكثفة لكبار المسؤولين الإسرائيليين في مقدمتهم رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت ورئيس الوزراء الحالي يائير لابيد إضافة الى وزير الحرب بيني غانتس وعدة مسؤولين برلمانيين وسياسيين وعسكريين وأمنيين آخرين
أكثر من مرة أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن رفع مستوى التحذير الأمني للسياح الاسرائيليين المتوجهين الى الأردن إلى مستوى الخطر وفقا لتقيم ما يسمى بمجلس الامن القومي الإسرائيلي وما يتبعه من اثارة ضجة إعلامية مختلقة بوجود مخاطر امنية في الأردن رغم تصنيفه باعتراف دولي كبير كبلد امن ومستقرة وهادئ وان استمرار مثل هذه التقييمات لن تؤثر على السياحة في المملكة خاصة وأنها تقع في إطار الاشتباك السياسي الإسرائيلي غير المجدي
ليس سرا القول إن السياح الإسرائيليين غير مرحب بهم في الأردن وفي جميع دول العالم بسبب صلفهم ووقاحتهم وميلهم إلى البخل وقلة الأدب واستغلال الظروف وسرقة صنابير المياه والأطعمة وادوات الطعام والاغراض الأخرى من الفنادق التي يقيمون فيها والتي بات عددًا كبيرًا منها يرفض استقبالهم حرصًا منها على الإبقاء على المستوى الرفيع والسمعة الطيبة لفئة السياح الأجانب المتميزيين الزائرين لبلادهم
قبل سنوات كشف النقاب عن شريط فيديو مخجل ومعيب نشر على موقع ( التيك توك ) حيث قام سائح إسرائيلي بتصوير زميله في أحد الفنادق باليونان وهو يقوم بعملية وداع للغرفة التي كان يقطناها خلال فترة نقاهته يظهر فيه حجم الشتائم التي لا يحتمل ذكرها وذلك خلال حفلة وداعه الفندق اليوناني بتحطيم محتويات الغرفة وكسر زجاجات كبيرة من مشروب الفودكا على الارض
العلاقات بين تل أبيب وعمان منذ فترة طويلة متوترة وليست منسجمة بالمطلق وهنالك إحباط رسمي وشعبي من سياسة إسرائيل في الضفة الغربية والمناطق الشرقية لمدينة القدس ولطالما تجاهل الأردن تصرفات السياح الاسرائيليين الوقحة ومخالفتهم للتعليمات التي تنص على أن كل مجموعة من السياح يجب أن يقودها دليل محلي يحمل رخصة رسمية أردنية وبهدف التهرب من هذه التعليمات اعتاد الإسرائيليون اجتياز الحدود بشكل منفرد واحدًا تلو الآخر ثم يتجمعون فيما بعد كفريق مشترك
ناهيك عن تهربهم المتواصل من دفع بدل الدخول إلى الأماكن الأثرية والسياحية ولهذا الغرض كانوا يسلكوا طُرق غير رئيسية لدخول منطقة البترا وغيرها من المواقع الأثرية ويتخذون من المتنزهات القومية والمناطق المفتوحة أماكن للنوم بالخيام بدلاً عن الفنادق مع ما يرافق ذلك من انتهاك للتعليمات والقوانين وتلويث متعمد للبيئة وتشويه للمظهر العام للموقع زد على ذلك تعاملهم أكثر من مرة بقلة أدب وافتعال للمشاكل مع رجال الشرطة وعناصر قوات الجيش
كما يحب ان لا نغفل محاولتهم المتكررة لدفن قطع آثرية في مواقع عدة في الأردن لتثبيت مزاعمهم المكذوبة بملكيتها ويذكر أن بعض السياح الإسرائيليين تمكنوا مؤخراً من التسلل إلي مقام النبي هارون في البتراء وأدوا طقوسهم في مسجد البتراء وصوروا فيلم فيديو وثائقي يزعمون فيه تبعية البتراء لليهود سيما وان ذلك يترافق مع وجود رؤية دينية يهودية تتحدث عن هروب اليهود آخر الزمان الى البتراء طلبا للنجاة وفقا للتوقعات التوراتية وهو ما أدى الى اغلاق المقام من قبل وزارة الأوقاف في محاولة لاستيعاب الرأي العام الغاضب
في الأول من آب وحسب التقويم اليهودي في كل عام يتوجه المتدينون اليهود الى جنوب الاردن وتحديداً الى منطقة البتراء ليس بهدف السياحة والاستجمام وإنما للقيام برحلة سيرا على الأقدام لما يعتبر في معتقدهم حجاً دينياً وزيارة مقدسة لقبر اهرون كهان
معظم السياح القادمين من إسرائيل والذين لا يزيد عددهم عن 100 الف سائح سنويا يصلون إلى الأردن عبر معبر الشيخ حسين وهم يحملون معهم المأكولات التي جهزوها في بيوتهم كما أنهم يشترون المياه المعدنية من الجانب الإسرائيلي ويدخلون إلى الأردن لزيارة تستمر يوم واحد فقط وخلال تواجدهم هناك لا يدخلون المطاعم أو المقاصف المنتشرة في الاماكن السياحية لا بل أكثر من ذلك فالعديد منهم يدخلون معهم المأكل والمشرب الذي بحوزتهم إلى المطاعم ويأكلون فيها ويسرقون الأغراض والأدوات والورق الصحي ولا يصرف السائح منهم اثناء رحلته القصيرة دينارا واحد او يدخل فلس واحد للاقتصاد المحلي
المسؤولون في الأردن يريدون المحافظة على السياحة التي تعتبر مصدر رزق جيد للكثيرين من المواطنين ولهذا كانوا دائما يمتنعون عن التعرض للسياح الاسرائيليين ولم يقوموا بنهرهم او طردهم من الإمكان التي عاثوا فيها خراب لكن وزارة السياحة وفي غير مرة اتخذت عدة تدابير بحقهم للحد من تصرفاتهم الطائشة منها فرض اصطحاب دليل سياحي اردني خلال جولاتهم بالإضافة إلى منعهم من إدخال الملابس وأدوات الصلاة والعبادة اليهودية والطعام والشراب بالاضافة الى رفع ثمن تذاكر دخول البتراء والغريب هنا ( ان ما هو مسموح للسياح الاسرائيليين ممنوع على السياح الأردنيين )
الأمر الخطير جدا في هذا السياق والذي يتعامى عنه كثير من المسؤولين ان السياح الإسرائيليين يزورون مقامات أخرى يعتبرونها لأنبياء بني إسرائيل في السلط ومناطق أخرى من المملكة وهذا يعني ان القصة لا ترتبط فقط بمقام النبي هارون بل ان هذه المجموعات تزور ايضا مواقع دينية أخرى بوجود مرافقين لهم اردنيين خشية من وقوع حوادث امنية ومن أجل السيطرة على خط سيرهم هذا مع الإشارة الى ان هذه المجموعات تقوم وبدون تنسيق بالتجول في مناطق معينة في جنوب الأردن ومواقع غامضة في مادبا ولا أحد يعرف ماذا يفعلون هناك
الأردن عمليا لا يستفيد ماديا كثيرا من أفواج السياح الإسرائيليين والحكومة بتكرار صمتها تتحمل مسؤولية تمادي الجانب الإسرائيلي بالإساءة الى سمعته الأردن المحلية والدولية وكذلك عن كل ما يفعله السياح الإسرائيليون في الأردن والصدمة الحكومية التي ظهرت مؤخرا من التحذيرات الاسرائيلية هي مجرد دعاية يتم بيعها للجمهور بدراهم معدودة
البينات والتحذيرات والاساءات الاسرائيلية تتكرر منذ سنوات والسياح الإسرائيليين يأتون منذ عقود ويفعلون أشياء كثيرة ولا يمنعهم احد هذا فوق المخفي والمستور الذي لا يعلمه احد بشأن ما يتردد من البحث عن دفائن يهودية لإثبات وجودهم السابق في الأردن او حتى دفن قطع آثار مزورة في عدة مواقع اثرية أخرى لنفس الغاية وقد سبق للسلطات الأردنية ان قدمت شكوى رسمية للسفارة الإسرائيلية في عمان من التصرفات الوقحة والطائشة للسياح الإسرائيليين الذين يزورون الأردن بشكل دوري
يتردد كثيرا القول ان ما بين ( الاستثمار والاستعمار اختلاف حرف واحد فقط ) ولكن نخشى ان يصبح هذا حقيقة واقعه في اقليم البتراء بعد قانونها الذي تم تعديله حيث يسمح بتسرب الاراضي لغير الاردنيين و بخاصه اليهود وقد كان الأولى حينها رفضه تماما والمطالبة بالعودة الى القانون الأصلي وإذ كان لا بد من البيع أو التأجير فليكن ذلك للأردني حصرا ( الإسرائيليين يسوقون ان البتراء جزءا من إرثهم ويوميا نجدها ذلك على قوائم التسويق السياحي الاحتلالي وهناك مخطط إسرائيلي علني بالدعوة الى اسكان أربعة ملايين يهودي في جنوب الأردن وهو مدون في مواقعهم وما يهم إسرائيل اتجاه الأردن التعاون الاستخباري والعسكري وما دون ذلك يعد أقل أهمية بكثير
اللافت هنا انه وفي أكثر من مرة قامت مجموعات من السياح الإسرائيليين بزيارة مناطق محظورة متاخمة للحدود العراقية والسعودية مع الأردن حتى أنّ بعضهم قام بتصوير مناطق أخرى قريبة من قواعد عسكرية على الحدود ولعل هذه الممارسات تكشف لنا ان بعضاً منهم يحضرون الى المملكة ليس بصفتهم ساح يهتمون بتنوع البيئات المحلية أو التمتع بجمال وادي رم والصحراء الشرقية ومياه البحر الميت العلاجية بل ربما بصفتهم جواسيس مدربين ومحترفين
الأدلاء السياحيين الاردنيين يعرفون السياح اليهود اكثر من غيرهم وهم يثيرونهم بما ينفثون به من حقد وبما يحملونه من نظرة دونية ضد أبناء الأردن والعرب والمسلمين تغذوا بها في مدارسهم ومؤسساتهم التعليمية وصحافتهم ولا أدل على عنصريتهم البغيضة من قصة الشابة الإسرائيلية التي تعرضت للدغة عقرب ما حدا بالشرطة الأردنية الى انقاذها بواسطة حمار طوال عشرة كيلومترات من خلال مسالك وعرة يتعذر وصول مركبة اليها وعندما أُوصلت السائحة الى مستشفى عسكري رفضت تلقي العلاج على ايدي اطباء اردنيين لأنها لا تثق بهم
امام كل ذلك نتساءل نحن وغيرنا كيف يمكن ان نقنع الناس بان إسرائيل وواشنطن تستهدفان الأردن وتريدان تدمير بنيته الاقتصادية والاجتماعية ونبيع هكذا بضاعة مغشوشة لهم من اجل تحشيدهم ورص صفوفهم فقط فيما كل أصناف التطبيع تمارس في أعلى مستوياتها و درجاتها وكأننا أمام لعبة مزدوجة لتبادل الأدوار والمصالح ربما لن يصدقها أحد وعليه نرى انه يتوجب على الحكومة والمسؤولين المعنيين وقف اللهاث المتعب خلف التطبيع السياحي الذي تضاعف في الآونة الأخير لأنه غير مجدي ويسئ للأردن وابنائه كما عليهم ان يتخذوا قرارات تنسجم مع المزاج الشعبي العام الرافض للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي بكافة صوره وأشكاله
أخيرا الأردن يعنبر مثال يحتذى في الأمن والاستقرار ومحج رئيسي للسياح والزوار وادارة الشرطة السياحية والأجهزة الأمنية الاخرى تؤدي واجباتها يشكل احترافي والأردن بغناه الخضاري والتاريخي يستحق وصفه بالمتحف الطبيعي لما يضمه من مواقع أثرية وسياحية ودينية جاذبة تعاقبت عليها الحضارات الانسانية المختلف
وهو ليس بحاجة لشهادة الإسرائيليين لتقييم امنه واستقراره خاصة وانه يمثل واحد من أفضل الوجهات السياحية العالمية الآمنة ولديه خطط امنية واضحة المعالم بالمفهوم الواسع والشامل لتأمين افواج السياح بأساليب امنية محكمة من اي خطر محدق او محتمل ولهذا وغيره الكثير ينبغي الرد المفحم على كل الافتراءات والاكاذيب الإسرائيلية بالحقائق الدامعة والمصداقية المطلقة وعدم ترك الحبل على الغارب لاستمرار العزف النشاز على هذه الأسطوانة المشروخة
mahdimubarak@gmail.com