مهدي مبارك عبد الله - فجر الأربعاء 11 أيار الماضي قتلت شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة القطرية منذ 25 عام أثناء تأديتها مهامها الصحفية برصاصة في الرأس من ( عيار 5,56 ملم أُطلِقت من سلاح نوع روجر ميني 14 ) أثناء تغطيتها اقتحام للجيش الإسرائيلي بمدينة جنين شمالي الضفة الغربية رغم أنها كانت ترتدي السترة الزرقاء التي تؤكد هويتها الصحافية والمكتوب عليها باللغتين العربية والانجليزية صحافة وقد أعلن النائب العام الفلسطيني أكرم الخطيب حينها عن نتائج تحقيقات النيابة العامة الفلسطينية التي خلصت إلى أن أبو عاقلة قُتلت برصاص قناص إسرائيلي دون أي تحذير مسبق
تابعت كغيري في الأسابيع الماضية الضغوطات الأمريكية المتواصلة على السلطة الفلسطينية لتسليمها بشكل رسمي الرصاصة التي قتلت الراحلة أبو عاقلة من اجل اخضاعها لاختبار جنائي وباليستي لمطابقة وتحديد السلاح الذي أطلقت منه سيما وأن أبو عاقلة تحمل الجنسية الأمريكية وان واشنطن صاحبة اختصاص أصيل في إجراء التحقيق ومحاسبة وملاحقة من ارتكب الجريمة
السلطة الفلسطينية استجابت للطلب الامريكي بناء على التزام أخلاقي وقانوني وبشرط عدم تسلّيم الرصاصة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي مطلقاً وقد تم إجراء الفحوصات بمعمل الشرطة الإسرائيلية بالقدس من قبل خبراء أميركيين تم إحضارهم لهذه الغاية بحضور المنسق الأمني الأمريكي بين إسرائيل والسلطة وبعض الهيئات المهنية المستقلة وقد اعيد المقذوف للنيابة العامة الفلسطينية حسب الأصول وبعد فحصه تبين انه كما هو ودون أي تغييرات عليه من الناحية الفنية او المهنية
وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت يوم الاثنين الماضي 4 تموز 2022 في بيان لها إن المحققين المستقلين لم يتوصلوا إلى نتيجة حاسمة فيما يتعلق بمصدر الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة بعد أن أجروا فحصاً جنائياً مفصلاً وذلك وبحسب ادعائهم بسبب وجود أضرار بالغة في المقذوف الناري حالت دون التوصل إلى نتيجة واضحة بشأنه رغم ان المنسق الأمني الأمريكي في ذات الوقت خلص في تلخيصه لنتائج التحقيقات التي أجرتها السلطات الإسرائيلية والفلسطينية إلى أن الرصاصة أُطلقت على الأرجح من مواقع تابعة للجيش الإسرائيلي لكنه لم ( يجد سبباً للاعتقاد بأن ذلك كان متعمد )
تصريح الجانب الأميركي بعدم وجود أي أسباب تشير الى أن الاستهداف كان متعمد يثير الاستغراب والشكوك كما انه يخالف مجمل تحقيقات النيابة العامة الفلسطينية وهي الجهة المختصة بإجراء التحقيق قانونا والذي اطلع عليه الامريكان مسبقا وبما يؤكد بشكل قاطع مسألة التعمد في القتل سواء بما هو موثق بتسجيلات الفيديو أو من خلال شهود العيان أو مسار ومسافة وارتفاعات إطلاق النار أو من خلال استهداف كل من حاول إسعاف الراحلة وفي المحصلة ان أي نتائج تحقيقات تجريها أي جهات أخرى غير ملزمة للجانب الفلسطيني قانونا او حتى اخلاقا
التحقيق الأمريكي طبخ على عجل وفي سباق مع الزمن قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة ولم يكن جادا ولا حاسما والتركيز فيه على الرصاصة فقط كان في غير محله كما وصف من قبل الكثيرين بانه غير مهني وذو توجهات سياسية واملاءات أمنية فضلا عن انحيازه الكامل للرواية الإسرائيلية المفبركة لتبرير جرائم الاحتلال وجنوده كما هو الحال في كل أفعاله الإجراميّة التي يمارسها يوميا بحق جميع الفلسطينيين في وطنهم المغتصب
لعل أكثر ما أصاب المراقبين والمحللين والمتابعين بالدهشة والحيرة البالغتين تلك التبريرات الفاضحة التي قدمها الأمريكان والتي لا يقبلها عقل ولا يصدقها منطق ولا تنطلي على أحد وأنا شخصيا أجزم بأن قائليها هم أكثر الناس معرفة بكذبها وهي محاولة أمريكية مكشوفة لتجميل وجه المعتدي وحجب الحقيقة بقصد اخفاء الجريمة والتستر على مرتكبها من خلال عدم توجيه الاتهام المباشر لإسرائيل ولو بالإشارات الخجولة
الأمم المتحدة وعدة مؤسسات اعلامية وصحفية أمريكية رائدة مثل قناة CNN ووكالة أسوشيتد برس وصحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز نشرت تحقيقات خاصة أجرتها أثبتت أن أبو عاقلة قُتلت برصاص إسرائيلي في حين اعتبر الجيش الإسرائيلي أن ما حصل كان حادثاً عملياتياً جرى خلال حملة اعتقالات في مخيم جنين حيث اندلع تبادل لإطلاق النار بين قوات الجيش ومسلحين فلسطينيين أصيبت على أثره
تقرير التحقيق الأمريكي وبعد الفحوصات الشكلية خيب من جديد امال المراهنين على الإدارة الأمريكيّة باعتباره بيانا سياسيا وأمنيا بامتياز لا يمت باي صلة إلى التحقيق الجنائي ولا إلى فحص الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة وكأنه اعد مسبقا لتوفير الحماية لإسرائيل وتبرئة جيشها من جريمة الاغتيال تحت دواعي عدم صلاحية الرصاصة للفحص المخبري وهو ما يدعو للسخرية
اعتبار التحقيق أن قتل أبو عاقلة تم عن غير قصد كونها كانت في ساحة معركة مع عناصر إرهابية كانت ( تخريجة مشعوذ خبيث ) للتهرب من المسؤولية بغطاء أمريكي ولتوفير الحماية للجناة والقتلة للإفلات من العقاب كما كشفت ذلك كله ان طلب تسليم الرصاصة في الاصل كان مجرد ذريعة لإصدار هذا البيان أمام الرأي العام الأمريكي الذي ساده السخط والغضب وهو يطالب الرئيس بايدن بإجراء تحقيقات نزيهة وشفافة ومستقلة بعيدة عن محاباة المصالح الاسرائيلية
في المقابل إن النتائج التي توصلت إليها تحقيقات النيابة العامة في قضية اغتيال أبو عاقلة والتي سبق وأن تم الإعلان عنها بنيت على مجموعة من الأدلة والبينات الدامغة التي تضمنت تقارير فنية ومعاينات وإفادات شهود العيان وقد حسمت بشكل قاطع أن اغتيالها كان باستهداف مباشر من أحد أفراد قوة جيش الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة بالمكان القريب منها
كما أثبتت التحقيقات الفلسطينية بالوجه القاطع أن في وقت ومكان وقوع الجريمة لم يكن هناك أي مظاهر أو مواجهات مسلحة وقد تضمنت البينات والتقارير الفنية المتعلقة بالمقذوف الناري المستخرج من رأس أبوعاقلة انه من نوع خاص خارق للدروع أطلق من مسافة 170 إلى 180 مترا وبمسار إطلاق يتوافق ومكان تمركز قوة جيش الاحتلال الإسرائيلي
حكومة الاحتلال لم تكتفِ باغتيال شيرين أبو عاقلة مرة احدة وإنما اقتحمت منزلها وحاصرت المستشفى الفرنسي للتنكيل بجثمانها واعتدت على التابوت وحاولت إسقاطه أرضاً كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع وبما يؤكد ان تل ابيب تتحمل مسؤولية تعمد اغتيالها ويجب محاسبتها أمام المحاكم الدولية
نتائج تحقيق الرصاصة الأمريكي بكل ما ورد فيه مرفوضة فلسطينيا وعربيا بالكامل ومشكوك في نزاهتها بالمطلق وهي تشكل انحياز فاضح لرواية الاحتلال المكذوبة واستهتار كبير بالدم الفلسطيني ومحاولة مفضوحة لتبرئة الصهاينة من تبعات هذه الجريمة النكراء التي هزت ضمير العالم الذي يعلم إن إسرائيل هي من قتلت أبو عاقلة وعليها أن تتحمل مسؤولية جريمتها
الرفض الفلسطيني لنتائج الفحص الامريكي المخبري للرصاصة حق مشروع باعتبار ان الحقيقة واضحة ولكن الإدارة الأمريكية تتلكأ وتماطل في الإعلان عنها في المقابل في إسرائيل سادَ شعور غامر بالرضى والارتياح بعد نشر نتائج التحقيق الأمريكي الذي لم يحمل تل أبيب بشكل قاطع المسؤولية عن اغتيال الصحفية الفلسطينية الأمريكية أبو عاقلة
ملف مقتل الصحفية الراحلة أبو عاقلة يجب ان ينقل عاجلا الى ولاية وصلاحية المحكمة الجنائية الدولية وانتظار اجراءاتها التنفيذية ضد قيادة جيش الاحتلال وحكومته وجنوده منفذي الجريمة حتى ينالوا عقابهم وفق القانون الدولي من أجل تحقيق العدالة لشيرين أبو عاقلة بعد موتها
الإدارة الامريكية وطفلها المدلل كيان الاحتلال يستخفان بعقول الناس والمجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة وحقوق الانسان وهما يوجهان صفعة جديدة لكل الجهود الهادفة لوضع حد لإفلات المجرمين من العقاب والتنصل من الجريمة رغم أن كافة التقارير والتحقيقات والأدلة والبراهين الدامغة فلسطينيا ودوليا تؤكد أن إسرائيل هي التي قتلت الصحفية أبو عاقلة بشكل متعمد
المطلوب بعد هذا الاجرام الأمريكي اجراء تحقيق دولي محايد وشفاف ونزيه وشامل لا تشترك فيه دولة الاحتلال أو الولايات المتحدة واذنابها من اجل الوصول إلى نتائج مقنعة للعالم الذي يدرك أن القاتل المتعمد هو جندي احتلالي قتل بأوامر عليا ثابتة وممنهجة لمنع الصحفيين من أداء واجبهم في نقل الحقيقة للعالم عما ترتكبه دولة الاحتلال من جرائم ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ولهذا نجد انه على كافة المؤسسات الإعلامية العربية والدولية ان تقوم بدورها الفاعل في فضح هذا التزييف الأمريكي الصارخ في مضمون التحقيق وتصحيح الوقائع والحقائق مهما بلغت الحجج والذرائع الامريكية الواهية والكاذبة
mahdimubarak@gmail.com