أن حتمية نشوء أقطاب عالمية جديدة ذات طابع إقتصادي هي نتيجة لهيمنة الدولار على العالم قرابة ثمانية عقود وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية منذ إتفاقية "بريتون وودز" عام 1944, والذي لا زال ليومنا هذا حيث يشكل الدولار من أصل 12 ترليون ما نسبته 59% من العملات الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم في نهاية العام 2021 ,والدولار أيضاً العملة الوحيدة في التعاملات النفطية, وقد أدى الأمر في النهاية لعكس ما يجري من نشاطات إقتصادية في الولايات المتحدة على العالم بأسره من خلال تأثر أسواق الأسهم العالمية وأسعار العملات الورقية والمشفرة والنفط والذهب سلباً وبمقياس يبعد كل البعد عن أي تصحيح إقتصادي عالمي, لدرجة أنه لو زادت البطالة لشهر معين في الولايات المتحدة أو تأثر مخزون النفط فيها لإنعكس ذلك وتم تعميمه على الإقتصاد العالمي مما يؤثر سلباً على جميع دول العالم وخصوصاً ذات الإقتصادات الناشئة والدول النامية, وقد شاهدنا مؤخراً كيف أن الفيدرالي الأمريكي رفع قيمة الفائدة على دولاره وسيرفع الفائدة أكثر وأكثر , فمعظم الدول تختلف نشاطاتها الإقتصادية ولا تتشابه مع الولايات المتحدة مثل الإقتصادات الناشئة ( التي تمتلك صفات قريبة من صفات الأسواق المتقدمة ) وأخرى نامية وبأمس الحاجة للبناء والتطوير ,إن هذه الإجراءات حتماً ستقلل معدل النمو السنوي وأرتفاع في نسبة البطالة وزيادة في المديونية فيها, إضافة إلى العقوبات الإقتصادية الأحادية على دول تؤدي إلى إختلال في النشاط الإقتصادي العالمي.
هذا التخبط الإقتصادي في العالم وأحادية الهيمنة الإقتصادية عليه دفع دول منافسة للولايات المتحدة الأمريكية والتي يوصف معظمها بالإقتصادات الناشئة لتصحيح المسار الإقتصادي العالمي لتحقيق الأهداف التالية:
1) عدم تفرد أي طرف من الأطراف بمحاصرة إقتصادية أحادية لأي دولة من خلال فرض عقوبات عليها مما يؤدي إلى إختلال في الإقتصاد العالمي.
2) المنافسة الإقتصادية المبنية على البيانات الدقيقة والتي لا تُحدث أي مفاجآت عالمية إقتصادية وأقربه ما حصل عام 2008 وكذلك النتائج الإقتصادية للحرب الروسية – الأكرانية.
3) عدم تغول أي دولة على الأخرى وخاصة في القرارات السياسية وما يتبعها من إجرارات إقتصادية تصب بصالح طرف واحد وتضر ببقية الأطراف , وخاصة إذا كان القرار السياسي خاطىءً وبُني على أهداف ضيقة قد تجر العالم بأسره لمضاعفات يعاني منها طويلاً .
4) إستقطاب الإستثمارات العالمية بشكل صحيح بحيث تكون مبنية على الحوافز الصحيحة دون النظر إلى مصالح سياسية فهناك إستثمارات بدأت وقطعت شوطاً طويلاً ولكن تم إيقافها بقرارات سياسية خارجة عن إرادة الدولة.
من خلاصة الأهداف السابقة والتي ستتحقق بتعدد القطبية والذي سيشعربه العالم من النمو الإقتصادي الصحيح وتضاعف الناتج الإجمالي العالمي ويكون هناك التنوع الإقتصادي وعدم الإحتكار كون هناك بدائل , ويؤدي إلى خفض البطالة العالمية.
لذلك إرتأت كل من روسيا والصين تأسيس تحالف إقتصادي جديد والذي تشكلت نواته عام 2009, وأصبح هذا التحاف يعرف الآن بإسم BRICS والذي يضم كل من (روسيا,الصين,الهند,البرازيل وجنوب أفريقيا) وأهم أهدافه الإستغناء عن التداول بالدولار خلال التعاملات النفطية والمبادلات التجارية وإستبدالها بالعملات المحلية لكل دولة من دول الأعضاء ومحاولة إيجاد طريقة دفع جديدة خاصة بهم بدلاً عن SWIFT , وقد أصبح تعدد القطبية ضرورة بعد تصريح الرئيس الروسي مؤخراً بقمة سانت بطرسبرغ بحضور 69 دولة شاركت بهذه القمة بأن القطبية العالمية الأحادية قد إنتهت , وهناك 11 دولة مرشحة للإنضام مستقبلاً لتحالف BRICS ,ويذكر أن الخمس دول الحالية التي تشكل BRICS لديها 50% من إحتياطي النقد العالمي ويشكلون 25% من الناتج الإجمالي العالمي والذي بلغ 94 ترليون دولار لعام 2021 وجميعهم من ضمن ال 20 الكبار , ويشكلون ثُلث مساحة الكوكب و41% من سكان الأرض,ولديهم معدل في ناتج النمو العالمي بلغ 40% لعام 2021.
وإننا ندعو الدول العربية لإنشاء تحالف عربي جديد بإسم ,MENAG يضم دول مجلس التعاون الخليجي Gulf ودول الشرق الأوسط العربية Middle East ودول شمال أفريقيا العربية North Africa بما مجموعه 22 دولة, فآن الآوان للبدء بتشكيل هذا التحالف وذلل لضبابية المشهد العالمي والإقتصادي واليقين التام بأنه لا يوجد حليف عالمي قوي لأي دولة عربية يمكن الإعتماد عليه والمشهد السياسي العالمي الحالي أثبت ذلك , فالدول العربية مؤهلة لذلك التحالف لموقعها الجيوسياسي المميز الممتد على رقعة مساحة تقارب 14 مليون كيلو متر مربع وبعدد سكان والبالغ 438 مليون نسمة لعام 2021, وما تمتلكه من ثروات طبيعية من نفط والذي يشكل ثُلث صادرات العالم ومن الغاز25% من الإحتياطات العالمية ومعادن ومواد خام إضافة إلى الكوادر العربية المؤهلة لبناء إقتصاد هذا التحالف , ناهيك عن قدرة الدول العربية من تأمين غذائها لما حباها الله من طقس معتدل ومقومات الزراعة من أراضي زراعية شاسعة وتنوع زراعي وأيدي عاملة في الزراعة, إضافة إلى تواجد رأس المال الذي من شأنه يعزز الإستثمارات داخل الدول العربية , وإنشاء عملة موحدة , لتكون بمصاف العملات العالمية , وقدرتها على إنشاء درع قوي عسكري لردع أي أطماع خارجية حيث تستطيع الدول العربية مجتمعة تأمين 4 مليون جندي وترسانة عسكرية دفاعية ستكون الأكبر بين دول العالم.
لقد آن الأوان للدول العربية أن تتخذ قرارها بنفسها, لإن قوتها الإقتصادية تجعلها من مصاف الدول المتقدمة وتجعل كلمة العرب السياسية مسموعة عالمياً لما يحقق طموحات شعوبهم.
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية
مستشار مجموعة DDL الأمريكية-CDAG
mhaddadin@jobkins.com