زاد الاردن الاخباري -
وصف المحامي محمد أحمد الطقاطقة معاناته في معاملة قيد السكن، والبيروقراطية التي واجهها والمعاملات التي أرهقته لحين الحصول على مراده.
وتاليا المقال:
بين ( صبة خضرا) و ( اصطمبة المختار) يقف المتصرف
كتب: محمد أحمد الطقاطقة
في يوم ربيع جميل من أيام عمان الجميلة خطرت في بالي فكرة و هي تغيير قيد اقامتي في الأحوال المدنية، كوني و منذ سبعة أعوام قد اشتريت منزلا جديدا و رحلت إليه الأمر الذي يدفعني كمواطن صالح و صريح و واضح بأن أغير (قيد السكن فقط)، تلك الفكرة التي سألعن الساعة التي فكرت و قررت بها أن أتخذ اجراءات نقل قيد السكن و ذلك في ختام المقال كما سترون. (و ابتدا المشوار ... و اه يا خوفي)
بدأت القصة عندما راجعت الأحوال المدنية (و هي تابعة لوزارة الداخلية) لأطلب منهم تغيير قيد اقامتي، كون القيد المثبت على هوية الأحوال لا يعكس واقع الحال، فما كان منهم إلا أن أخبروني بأنه يجب علي أولا استخراج سجل عقاري (قوشان) و الذي على ضوئه ستبدأ رحلة ابن خلدون أو ابن بطوطة في تغيير قيد الاقامة.
علما بأنني محام مزوال و قد يسأل البعض سبب متابعتي الشخصية لهذه المعاملة في حين أنه بامكاني ايكالها لأي شخص في مكتبي و لكن كون المعاملة شخصية و أمنية فانه يجب أن أكون حاضرا شخصيا لهذه الإجراءات.
(المرحلة الثانية... أول الرقص حنجلة)
فبعد زيارة الأحوال المدنية (المشوار الأول) و من ثم مراجعة دائرة الأراضي لاستخراج سند التسجيل ( المشوار الثاني) و بعدها عدت الى الأحوال المدنية ( المشوار الثالث) ليتسنى لهم الاطلاع على سند التسجيل و من ثم مخاطبة الحاكم الاداري التابع له منطقه سكني حسب الأحوال.
( رحلة المتصرفية ... ميل يا غزيل)
بناءا على سند التسجيل و الذي ظهر فيه مرج الحمام فقد خاطبت دائرة الأحوال المدنية متصرفية بيادر وادي السير و بالفعل قمت بأخد المخاطبة و التوجه الى المتصرفية الى بيادر وادي السير (المشوار الرابع) حيث و بعد و الاطلاع و اخبارهم بأنني اسكن في حي الصحابة فقد اشاروا الي أن الجهة المختصة هي متصرفية القويسمة و ليست البيادر، و بناء عليه توجهت بسيارتي الى متصرفية لواء القويسمة (المشوار الخامس)، و بعد اطلاع المتصرفية على الكتاب الذي بحوزتي طلبوا مني أمرين: الأول أنني يجب أن أذهب الى مكتب الأمانة التابعة له منطقتي لأتحقق من الموقع التنظيمي و تبعيته إداريا إلى لواء القويسمة من عدمه، و على ضوء هذا التحقق ينبغي علي (كما طلبت المتصرفية) أن أتوجه إلى الأحوال المدنية و استخراج كتاب جديد موجه لمتصرفية القويسمة بدلا من الكتاب الحالي. و بالفعل توجهت إلى مكتب الأمانة (المقابلين و البنيات)، و هو (المشوار السادس) حيث تبين أنني أتبع لواء القويسمة و على ضوء ذلك توجهت إلى الأحوال المدنية (المشوار السابع) لأطلب منهم اصدار كتاب جديد موجه إلى متصرفية القويسمة و الذي زودوني فيه.
(المتصرفية مرة أخرى و رحلة المارثون)
و بالفعل عند مراجعتي للمتصرفية (المشوار الثامن) فقد استقبلوا معاملتي أحسن استقبال و لكن طلبوا مني قائمة من المتطلبات أذكر أولها و لا أذكر اخرها منها على سبيل المثال فواتير كهرباء و الماء و فواتير رسوم المدارس و بطاقات التأمين الصحي و و ...... الخ الأمر الذي شكل لي صدمة و هو الأمر الذي لم اعتده كمحامي عند إجراء أي معاملة يكون الطلب مقتصرا و محددا و بسيطا إلا أن حسن التعامل و إدارة المتصرفية قد أدت إلى قبولهم فقط بسند تسجيل البيت، و عليه فقد أخبروني (انو أمورك تمام) بما يوحي بقرب أو شبه إنجاز المعاملة و التي سأسمعها لاحقا مرارا و تكرارا إلى أنه تبقى أمر واحد لا يمكن التغاضي أو التجاوز عنه و هو ختم المختار!!!!!!!!!
(اصطمبة المختار ثلاثية الأبعاد في القرن الواحد و العشرين)
و بالفعل بعد إجراء عدة اتصالات فقد حصلت على كتاب موجه من المتصرفية إلى المختار و بعد الإتصال به شخصيا لمعرفة مكان سكنه حيث أنه مع خالص الاحترام لمكانته الاجتماعية و خلقه الرفيع فقد تعذر عليه إرسال موقع سكنه من خلال تطبيق الخرائط (لوكيشين) و بدأنا رحلة روح يمين روح شمال و البناية القبلية و أول دخلة بعدها لحتى وصلت بيت المختار (المشوار التاسع)، حيث استقبلني أجمل استقبال و دار بيننا حديث شيق و بدأ يجهز ختمه إلا أنني قد صدمت عندما أخبرني أنه و بناء على توجيه وزير الداخلية فإنه يتحتم علي الحصول على أختام ثلاثة مخاتير و ليس واحدا فقط ... و هون بديش أكمل حكي
و بعد الحصول على اصطمبة المختارية المطلوبة عدت إلى المتصرفية (المشوار العاشر) منتشيا فرحا بإنجاز المطلوب، و بالفعل فقد أخبروني في المتصرفية بأن أمورك تمام مرة ثانية (و هيك بتكون خلصت الأوراق المطلوبة منك) بس بس بس بدنا نوجه كتاب إلى المركز الأمني التابع إليه سكنك ليقوموا بالكشف الحسي و إعلامنا.
أنا كنت مترددا في بعض المراحل من المضي في هذه المعاملة، و لكن عند هذه النقطة وصلت إلى يقين بضرورة تمزيق الأوراق و عدم متابعة الاجراءات التي لا نهاية لها، و لكن أثرت أن ألقي بالكتب التي بحوزتي في صندوق السيارة مع باقي الملفات و استهدي بالله و أتعوذ من الشيطان الرجيم و المضي قدما في حياتي.
(ايش جابني على بالك و ايش فكرك فيا)
بعد ثلاثة أشهر و عند إرسال سيارتي للمغسلة و نقل الملفات منها وقع نظري على المعاملات فقلت في نفسي خذ نفس عميق و ضايل خطوة و بلاش يضيع تعبك فقررت أن أعاود المسير في السباق المارثوني.
و بالفعل ذهبت إلى مركز أمن المقابلين لإجراء الكشف الحسي و كلي فضول بهذا الشأن لأفهم الإجراء و عقلي الباطني يتساءل عن مدى خطورة ما أقوم به، و عند زيارة المركز الأمني ( المشوار الحادي عشر) ذهبت إلى الديوان فأخبروني بتعذر استقبال معاملتك كون رئيس الديوان مغادر في مهمة مراقبة الامتحانات التوجيهي، و أن أمامي أحد الأمرين إما العودة في يوم اخر أو الانتظار ساعة أو ساعتين و هنا عادت لتراودني فكرة تمزيق المعاملة بس حكيت: الله يخزيك يا شيطان و الله لأقاتل للآخر، فسألت عن رئيس المركز الأمني و ذهبت إليه و كان في غاية الرقي و حسن التعامل حيث أبدى تفهمه و أخبرني بأنه و للأسف منزلك لا يقع ضمن اختصاصي الأمني و إنما يقع ضمن اختصاص مركز أمن مرج الحمام و هنا أخبرته بالخطوات السابقة التي قمت بها و إنني إذ ما تطلب مني الأمر العودة للمتصرفية لأخد كتاب آخر لمرج الحمام فأنني خلص بكفي بديش أكمل المعاملة، فقال لي لا داعي لذلك و أنا سأشرح على ذات الكتاب إلى رئيس مركز أمن مرج الحمام للقيام بالمهمة حسب الأصول و بالفعل قام بذلك حيث توجهت بذات اليوم إلى مركز أمن مرج الحمام ( المشوار الثاني عشر) حيث كان باستقبالي هناك رئيس مركز لا يقل أدبا و احتراما عن سابقه، و باستدعاء رئيس الديوان فقد افاد بأن هذه المعاملات نقوم بها يوم الثلاثاء فقط و لكن و مع تفهم رئيس المركز فقد وجه بإتمام المعاملة في ذات اليوم حيث قامت لجنة مكونة من البحث الجنائي و الأمن الوقائي و الأمن العام بالكشف الحسي على منزلي (المشوار الثالث عشر) و عدنا بعدها إلى المركز الأمني (المشوار الرابع عشر) حيث تم تجهيز الكتاب لمتصرفية القويسمة.
(المجرم أسكوبار والعودة لنقطة الصفر)
بعد وصولي إلى المتصرفية (المشوار الخامس عشر) و تسليمهم الكتاب قالوا لي الله يعطيك العافية هيك أمورك تمام و بدنا نودي الكتاب لرئيس اللجنة مباشرة ... سألت أي لجنة هو ضل فيها لجان فأعلموني بأنها اللجنة الختامية الكبيرة و تفاجأت عندما علمت منهم من هم أعضاءؤها و التي تضم أعضاء من الشرطة و المخابرات و الاستخبارات (الأجهزة الأمنية) و الأحوال المدنية و المتصرفية و الأمانة الأمر الذي أصابني بالدهشة و نفش ريشي و حسيت حالي أسكوبار للحظة.
و لمن لا يعرف أسكوبار فهو أكبر تاجر مخدرات في العالم تعاونت كل أجهزة الاستخبارات في العالم للقبض عليه.
ما علينا المهم قامت اللجنة بدورها ( المشوار السادس عشر) و من ثم عدنا إلى المتصرفية (المشوار السابع عشر) و عند قيام رئيس الديوان بتوقيع على تقرير الكشف عدنا إلى نقطة الصفر، حيث أعلمني بأن الاختصاص ليس متصرفية القويسمة حسب منطقتك الجغرافية و إنما بيادر وادي السير و هنا طلبت منه إحالة كامل الملف إلى متصرفية وادي السير إلا أنه أعلمني بأنه لا يمكن تحويل المعاملة و لكن يجب عليك إجراء المعاملة من جديد و كأن شيئا لم يكن و هنا (سقت عليه الله يمزع المعاملة من عنده) و لولا تدخل أجاويد الله و بعد نقاش مستفيض و نظرا لاختلاف و تضارب الصلاحيات الإدارية و الأمنية و القضائية بحيث أن المناطق الجغرافية تتداخل و تختلف بها السلطة و الصلاحية لكل جهة و منطقة بشكل يصعب فهمه و تفسيره حتى وصلنا إلى أحقية ولاية متصرفية القويسمة على مكان سكني.
(مش مصدق حالي)
أخدت كتاب المتصرفية و توجهت إلى الأحوال المدنية (المشوار الثامن عشر) لأقوم و وبناء على كل الكتب و المشروحات بتغيير قيد السكن إلا أن المفاجأة كانت أن حي الصحابة غير مدرج في معلومات الأحوال المدنية علما بأنه مدرج في قيود أمانة عمان و خرائط جوجل و كل الدنيا.
و بالطبع فإن مدير الأحوال الناضج و المدير المسؤول طلب مني التمهل، لحين تزويد الحاسوب المركزي بمعلومات منطقتي ليتم قيدها حسب الأصول و بالفعل عدت باليوم الثاني (المشوار التاسع عشر)لأجد المدير مشكورا قد صوب المعلومات و قمت باستخراج هويتي الجديدة أخيرا. و هنا لي الحق أن أطالب كافة سكان حي الصحابة بالحلوان لحصولنا أخيرا على الاعتراف الرسمي.
(المشوار العشرون)
كتابة هذا المقال
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو صدمتي لما مررت به في ماراثون معاملة كان يفترض بها أن تتم أو تنجز بأبسط من ذلك حيث استنزف من وقتي و جهدي الكثير بكلف مادية مباشرة و غير مباشرة و سرق من وقتي الشيء الكثير حيث أنني محام و المحاماة تعني أن أقدم خدماتي بالساعة، فلكم أن تتخيلوا عشرات بل مئات الساعات المهدورة و التي لا عوض لي فيها إلا وجه الرحمن و موضع استغرابي أننا وصلنا القرن الواحد و العشرون في تكنولوجيا مخيفة حيث أن و على سبيل المثال (الفيس بوك) عندما تقوم بنشر إعلان من خلاله فإنك و بمقابل خمسة دولارات، يصل الإعلان إلى مئة ألف مواطن و ما عليك إلا أن( تطلب و تتدلل) و تحدد اعلانك في أي منطقة أو حي أو شارع أو عمارة ذكرا كان أو أنثى ، وعمر المستهدف وخلفيته الأكاديمية و ميوله و رغباته الشخصية... إلخ و هذه التكنولوجيا و القدرة على التحديد و هم يديرون العمل من خارج الأردن... ما علينا هذول أجانب. (يا سيدي أسعف فمي)
هذه مطلع قصيدة قالها محمد مهدي الجواهري قبل ثلاثين عاما في عيد ميلاد والدكم و سيدنا المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه فقد قالها الجواهري في مدح الحسين
و اليوم أقولها لكم كمواطن مستغيث (ما النا غيرك سيدي) و نحن على أعتاب منظومة التطوير الإداري بأن هنالك ما زال من يتعامل مع بيروقراطية (صبة خضرا) و اصطمبة المختار، يقع فيه الموظف الحكومي مقيدا و مكبلا في زمن مارك زوكربيرغ و ألون ماسك و الجيل الخامس من الاتصالات و بس.