زاد الاردن الاخباري -
يهدف برنامج «سمارت» لوكالة «نشاط مشاريع أبحاث المخابرات المتقدمة» الأمريكية، كمرحلة أولى، التوصل إلى اكتشاف تلقائي لأعمال الإنشاءات الضخمة أثناء حدوثها، عبر تنسيق بيانات أقمار اصطناعية متعددة، وهي مهمة أكثر صعوبة من مجرد تحديد معالم من أعلى، نظراً لكثرة المتغيرات خلال فترة زمنية طويلة، على أن يجري في مرحلة تالية، استخدام الخوارزميات المنشأة في رصد التغييرات الدورية الطبيعية كنمو المحاصيل، وصولاً إلى رصد المتغيرات الطبيعية، وتلك من صنع الإنسان.
وقد أشار موقع مجلة «وايرد» الأمريكية، إلى استخدام فيلم فيديو تم تصويره لمدينة دبي، وهو عبارة عن تجميع لصور تم التقاطها بالأقمار الاصطناعية، خلال فواصل زمنية للمدينة الحديثة، عن بعد مئات الأميال في السماء في الدراسة. الفيلم يطل على مشهد دبي، ليس كما نعرفها اليوم، بل دبي عام 1984، وينتقل إلى عام 2003، حيث تظهر جزيرة على شكل نخلة، وجزيرة أخرى عام 2007، ومزيداً من المباني والطرق، ثم بحلول 2020 يظهر الخط الساحلي والأرض المحيطة به، وقد تحولا بالكامل بفضل ظهور مشاريع البناء البراقة التي تشتهر بها المدينة.
وكان هذا الفيديو، وسيلة لإظهار التغييرات طويلة الأمد، التي يمكن رؤيتها باستخدام بيانات «غوغل إيرث»، وقد اعتمد سجل الفاصل الزمني لتطور دبي خلال 38 عاماً، على لقطات أرشيفية مأخوذة من موقع واحد، خلال فترة كانت تحدث فيها أعمال بناء واسعة النطاق.
يقول الموقع إنه في صور الأقمار الاصطناعية تلك، يبدو الإدراك المتأخر أمراً سهلاً، ولكن ماذا عن الاكتشاف التلقائي لمشاريع البناء الضخمة أثناء حدوثها في أي مكان على وجه الأرض، من دون معرفة متى وأين قد تظهر ناطحة سحاب؟ في هذه الحالة، يصبح الأمر أكثر صعوبة. وتحاول وكالة «نشاط مشاريع أبحاث المخابرات المتقدمة»، من خلال برنامج «سمارت»، الذي يرمز إلى تقنية التعرف الآلي بالآلة الفضائية، القيام بذلك عند طريق «تنسيق» بيانات من أقمار اصطناعية متعددة تراقب الأرض، والطلب من البرمجيات البحث من خلالها عن علامات تغيير، سواء طبيعية أو من صنع الإنسان.
وفيما يريد كثيرون استخدام هذه الصور لفهم ما يحدث على الأرض، من وكالات التجسس، إلى علماء المناخ، وشركات التأمين وحراس الغابات، يفيد الموقع أن هناك بيانات من الأقمار الاصطناعية، أكثر بكثير من قدرة المحللين البشر على تتبعها، وأتمتة جزء من التحليل على الأقل، يزيل بعض المهام الشاقة، حتى يتمكن الأشخاص من التفرغ للتفسير.
وينصب التركيز الأولي للبرنامج، على تحديد ومراقبة أعمال الإنشاءات الثقيلة، بدلاً من مجرد تحديد كائنات من أعلى. فرصد موقع بناء يتطلب تحديد العديد من الكائنات، وتغيير التضاريس، مع مرور الوقت واستخراج نمط منها.
وينقل الموقع عن مدير البرنامج في الوكالة، جاك كوبر قوله: «يحاول «سمارت»، معرفة ما تعنيه كل هذه الأشياء معاً». وتشكل أعمال الإنشاءات اختباراً معقولاً لهذا النوع من التحليل، فقد يختلف مظهرها في الغابة عن الشاطئ، أو بين الصوامع والعقارات. كما أن البناء يمر بمراحل عدة، ويحدث على مدى سنوات طويلة، ولا يوجد مؤشر واحد يعتبر واضحاً للدلالة عليه. فعلى سبيل المثال، يمكن للخوارزميات التي تحلل صور الأقمار الاصطناعية، تحديد جميع شاحنات التفريغ في منطقة ما، ولكن من أجل تحديد وجود إنشاءات ثقيلة، لا تستطيع فرق «سمارت» بناء كاشف لتلك المركبات الثقيلة، لأنها غالباً ما تظهر في مواقع لا تجري فيها أعمال بناء، فهي تسير على الطريق السريع، أو تتوقف عند منازل أصحابها. ولا يمكن للبرنامج إرسال تنبيه عندما تتغير النباتات من خضراء إلى بنية، إذ قد يكون ذلك عائداً لإزالة الأشجار في الموقع، حيث يقول كوبر: «كيف تتلاءم كل هذه القطع من الأحجية معاً مع مرور الوقت، هو ما يحدد وجود إنشاءات ثقيلة. وهذا ما يجعله تحدياً. فهو ليس مجرد شيء، أو مجرد تغيير واحد».
بدأ برنامج «سمارت» في أوائل عام 2021، عندما منحت وكالة «نشاط مشاريع أبحاث المخابرات المتقدمة»، عقوداً لفرق تقودها شركات، «أكستنشر»، «بلاك سكاي»، «سيستمز أند تكنولوجي ريسرش»، «كيتوير»، «أبلايد ريسرش اسوشييتس»، «أسترا» و«انتليجنس اوتوميشن». بعضها يعمل على رصد البناء، وبعضها على مشكلات فنية: فالأقمار الاصطناعية لا ترى العالم بنفس الطريقة، يفيد الموقع، ولكل من الأقمار الاصطناعية خصائصه الخاصة. فقد يختلف منظر رقعة خضراء في قمر اصطناعي عن غيره، ويختلف من يوم لآخر، بسبب زاوية الشمس، أو حالة الغلاف الجوي، إلخ..
ويعمل أحد الفرق على حلول. فتحاول شركة «كيتوير» رصد أعمال البناء، و«تنسيق» الاختلافات بين صور الأقمار الاصطناعية، عبر ربط الصور ببعض المعايير، ما يتيح مقارنتها ومعالجتها جنباً على جنب.
وأخيراً، أنهى مشروع «سمارت» المرحلة الأولى، حيث أنهت الفرق بناء خوارزميات لرصد أعمال البناء، واختبرت قدرتها مقابل أكثر من 100 ألف صورة للأقمار الاصطناعية، تُظهر 90 ألف كيلومتر مربع من المساحات، تم التقاطها بين عامي 2014 و2021.
وكانت معركة شرسة لإثبات أي من الأساليب تعمل بشكل أفضل في تجميع القرائن المتباينة، التي تضيء على مؤشرات أعمال بناء جديدة.
وجاءت الصور التي حللتها الفرق من مجموعات أقمار اصطناعية مختلفة: من برنامج «لاندسات» المشترك بين وكالة ناسا، ووكالة المسح الجيولوجي بالولايات المتحدة، ومن وكالة الفضاء الأوروبية «سنتنيل»، ومن شركتي «ماكسار» و«بلانت». وحاولت برامج الفرق، تحديد أعمال البناء في مكان وجودها، وتجنب الإيجابيات الخاطئة، حيث لا توجد أعمال بناء، مع الموافقة على صور دبي، ورفض غابات الأمازون المطيرة. وقد أوضح كوبر أنه «من الضروري أن تكون الأنظمة قادرة على التعامل مع هاتين الحالتين، وكل شيء بينهما».
واطلعت منظمات شريكة، مثل معمل الفيزياء التطبيقية بجامعة جون هوبكنز، ومركز دودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا، ووكالة المسح الجيولوجي الأمريكية على الصور، لتحديد أي النقاط، صح أم خطأ. وبحلول منتصف الربيع، كان قد تم الانتهاء من وضع علامات على حوالي ألف موقع بناء في 27 منطقة، وتتبع تقدم تلك المواقع عبر الزمن. وقامت الفرق بتشغيل الصور، من خلال برمجياتها، وسلمت نتائجها في نهاية أبريل.
من جهتهم، قام مهندسو «كيتوير» بتدريب شبكتهم على الصور، واختيار الميزات والروابط بينها. وقد استخدم تحليلهم مزيج من الأساليب، إحداها يسمى توصيف المواد، ويقوم بتحليل البكسلات، لمعرفة ما إذا كانت ترصد، على سبيل المثال، خرسانة أم تربة. والثانية هي التقسيم الدلالي، بمعنى تحديد أي وحدات بكسل في الصور، تنتمي لأي نوع من الأشياء، سواء «مبنى» أو «شجرة» أو «جزيرة جديدة» أو «طريق». عن ذلك، يقول نائب رئيس الذكاء الاصطناعي في شركة كيتوير، أنتوني هوغز: «لدينا طريقة دمج تتعلم كيف تتوافق هذه الميزات معاً». وهذا النموذج يتضمن نوعاً مختلفاً من الخوارزميات، هي مجموعة متنوعة من التعلم الآلي يسمى المتحول. وتأخذ المتحولات بيانات متسلسلة لصور تم التقاطها خلال فترة زمنية في مكان يحدث فيه بناء، وتتبع الروابط بينها. قد تختفي المساحات الخضراء، فيما تنمو البيضاء، فيتعلم البرنامج السياق لاستخراج المعنى من المشهد المرئي.
ومن جهتها، عالجت شركة «أكستنشر»، المهمة بطريقة مختلفة: من خلال إعادة التفكير في مجموعات بيانات التدريب الهائلة، المطلوبة أحياناً لتعليم البرمجيات كيفية تفسير المشهد. وعادة ما يتعين تحديد هذه الصور، التي غالباً ما تكون عدة آلاف، من قبل شخص ما، قبل أن يتم تغذيتها في الذكاء الاصطناعي، كأمثلة لتعليمه كيفية التعرف إلى صور مماثلة. وفيما قد يكون هذا مناسباً لكائنات صغيرة، كصور قطط، لكنه يصبح أصعب بالنسبة إلى منظر طبيعي معقد، تم التقاطه من أعلى. يقول المدير الإداري ومسؤول رؤية الكمبيوتر في «اكستنشر»، مارك بوش رويز: «فكر في كل الأشياء التي يمكنك رؤيتها من صورة مأخوذة لمدينة» من إشارات التوقف وأكشاك الآيس كريم والأطفال على الدراجات. قد يستغرق أسابيع لبشري، لكي يضع علامة على كل تلك الأجزاء.
بالتالي، تركز الشركة بمساعدة أكاديميين على تطوير تقنيات جديدة، تتصور بنفسها الأشياء على الأرض، وكيف تتغير. تعتمد تلك التقنيات على طريقة تسمى «التعلم غير الخاضع للإشراف»، حيث يمنح الباحثون الشبكة العصبية، كمية كبيرة من البيانات غير المسماة، لمعرفة الأنماط والخصائص التي يمكن أن تحددها من تلقاء نفسها. على سبيل المثال، أخذت «اكستنشر» أجزاء عشوائية من نفس صورة القمر الاصطناعي، وأرسلتها إلى الشبكة، ثم سألتها: «هل هاتان المنطقتان من الصورة نفسها، أم من صور مختلفة؟ وبهذه الطريقة، يقول بوش رويز تتعرف الشبكة إلى القواسم المشتركة بين وحدات البكسل من نفس الصورة. ويجري تجميع الأشياء والنشاطات في تصنيفات، والتعرف إليها عبر صور مختلفة».
والآن، بعد تقديم الفرق نتائجها، سيتعين عليها هذه المرة، جعل الخوارزميات الخاصة بها قابلة للتطبيق عبر حالات استخدام مختلفة. يسأل كوبر: «هل يمكن لخوارزميات تم إنشاؤها للعثور على أعمال الإنشاءات، أن تعثر على نمو المحاصيل؟ وهذا تحول كبير، لأنه يستبدل التغييرات البطيئة من صنع البشر، إلى تغييرات دورية بيئية طبيعية، كما يقول. وفي المرحلة الثالثة، التي ستبدأ في أوائل عام 2024، سيحاول المنافسون الباقون، تحويل عملهم إلى ما يسميه كوبر «قدرة قوية»، إلى شيء يمكنه أن يرصد ويراقب التغييرات الطبيعية، وتلك من صنع الإنسان.
ووفقاً للموقع، سوف يسمح لفرق «سمارت» بالاستمرار في استخدام الخوارزميات للأغراض المدنية، كما أن مجموعات البيانات التي أنشأتها وكالة «نشاط مشاريع أبحاث المخابرات المتقدمة» لبرامجها، غالباً ما تصبح متاحة للجمهور، ليستخدمها باحثون آخرون.
يعتقد هوغز بأن الدروس المستفادة من البرمجيات التي طورتها «كيتوير» لصالح «سمارت»، ستكون قابلة للتطبيق في العلوم البيئة، سواء لحماية المحيطات وخدمة مصايد الأسماك وإزالة الغابات. ويشير بوش رويز، إلى أن التفسير التلقائي لتغير المناظر الطبيعية، له آثار واضحة على دراسة تغير المناخ، من ذوبان الجليد، وابيضاض المرجان، وتصحر الأرض. فرصد الإنشاءات الجديدة، يمكنه أن يظهر توغل البشر، وتحول الغابة إلى أرض زراعية أو منازل.