شهدت سنوات خمسينات القرن الماضي، بدايةَ موجة وموضة الانقلابات العسكرية العربية، التي ضربت بالدبابات والبيان رقم واحد، وطننا العربي الكبير، بحجة إنقاذه من العملاء والرجعية والإمبريالية وتحرير فلسطين !!
فاستولى «الضباطُ الأحرار» على السلطة والفضاء والهواء، وهشّموا وجرّفوا وهمّشوا، البُنى العسكرية والنيابية والحزبية والإعلامية العربية. وبنوا جمهوريات الخوف العنفية، التي مارست، أعتى وأقسى أشكال الاضطهاد والعسف الذي عرفته البشرية.
شَهِدنا ظاهرة زعامة العميد والعماد والعقيد والبكباشي واليوزباشي والصاغ والصول، التي حلت محل القيادات العسكرية العربية المحترفة العظيمة.
تقاسم «الضباطُ الأحرار» السلطةَ، وحكموا الأمةَ بكل ما فيهم من نرجسية وتضخم الذات، والتفرد في القرار، وبكل ما في بطانتهم الهشة المنافقة من طبطبة وتطييب و هز رأس وذنب.
وتم سحق التعددية السياسية وتكميم الأفواه وتحطيم الأقلام وبناء المعتقلات، تحت ظلال الشعار الديكتاتوري المخادع «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» !!
وسادت مصطلحات الحزب القائد، والزعيم الضرورة، والرئيس إلى الأبد!!
أشاد «الضباط الأحرار» حكما مطلقا، ليس فيه رقيب و لا حسيب. لا برلمانات، ولا صحافة، ولا أحزاب، وأصبح كل من خالف القادة الجبارين الرأي، خائنا عميلاً عدوّا للحزب والشعب والثورة.
وانتقل المجتمع العربي من حكم الثورة إلى حكم الحزب الواحد إلى حكم القبيلة إلى حكم العائلة.
وتقاسم الثوارُ السُلطة، كلّ السلطة.
صحيح أنهم انقلبوا على أنظمة حكم، شابها الفساد والاستبداد والظلم والإقطاع، لكن «الضباط الأحرار» أصبحوا أشد استبدادا وفسادا ووحشية، وأعدموا أكثر من أعدموا، رفاقَهم الضباط.
وسقطت مزاعمُهم بتحرير فلسطين، فالمجتمعاتُ محطمةٌ والجنرالاتٌ المحترفون مبعدون عن قيادة الجيوش. وجرى «تنطيط» العقيد القذافي وعلي عبد الله صالح وعبد الحكيم عامر وعبد السلام عارف وحسين كامل وعلي حسن المجيد، رتباً عسكرية متلاحقة ليصبحوا قادة جيوشهم !!
غداً 14 تموز، ذكرى الانقلاب الوحشي على النظام الملكي الهاشمي في العراق سنة 1958 بقيادة عبدالكريم قاسم، وهو انقلاب في مسلسل الانقلابات العربية المشؤومة.
استشهد في الانقلاب، عدد من الأردنيين بينهم رئيس الوزراء إبراهيم باشا هاشم، نائب رئيس وزراء الإتحاد الهاشمي.