حسن محمد الزبن - الموج العريض المتلاطم عربا وأعرابا، واللاطمون على حالهم، لو قدر لهم أن يتوافقوا يوما، لكان يكفيهم لو زحفوا زحفا فيكون لوقع خطاهم فقط صوت يجلجل الأرض، فكيف إذا هدرت حناجرهم؟ وإذا أضفنا لهذا ما تملكه دولهم من أوراق ضاغطة لتمرير أي قرار ينتصر للوجود العربي، ونزيد عليه ما تملكه دولهم من ترسانات عسكرية عربية، يلتقون بعيدا عن الآفاق الضيقة والمصالح القطرية التي تتوقف عند حدود صنعتها سايس بيكو، حدود التفرقة التي مزقت العباءة العربية، وأوصلت كل هذه الدول إلى التبعيّة والغرق في الخماج السياسي المقرف الذي لم تسلم منه كل أروقة العروبة، فأضحى الكل في قلق وصداع وتوجس، فأصبح التفكك والتصدع سمة العلاقات العربية، وأصبح البعض يجد في التسابق نحو الانفراد بعلاقات مع دولة الصهاينة غنيمة، وكأنه يجد مأمنه في سفاراتها وقنصلياتها ومكاتبها متعددة الأغراض، فهي ممتدة في كثير من العواصم العربية، ولم تعد من باب الفضائح أو العار أو الارتداد عن العروبة، فمتى ما أشهرت أو فُضحت هذه العلاقات عبر الفضاءات الالكترونية أو الصحفية أو الإعلامية، فإن الأمر لا يعني شيئا، بل أن خداما متصهينين تحت مسميات عديدة دخلوا من باب الفن والثقافة والاعلام يدعون للتعايش مع الصهاينة واليهود في "اسرائيل"، وفي أمريكا وأوروبا، ودول أخرى من العالم، وكأن الحياة لا تكتمل، أو لا تتقدم إلا بالتعامل والتوافق مع حفنة من الصهاينة ما وفروا جهدا ولا وقتا ولا أداة خسيسة إلا وركزوا من خلالها جهودهم في استهداف العرب والمسلمين، لتطويعهم لأفكارهم الخبيثة التي لا تخدم إلا سيطرتهم المطلقة على العالم.
ورغم كل ما يدور حولنا من حالة الإرتياب، لم نصل لنقطة تحول، ولحظة استجابة مخلصة للدخول بمواجهة حقيقية مع الصهيونية وعملائها المتصهينين، والكل ينأى بنفسه على أن يكون صاحب المواجهة، أو من يبدأ؛ فالصهاينة وأتباعهم لا يتركون يوما يمر إلا ويجندون كل طاقتهم لكسر وإذلال كل عربي ومسلم على وجه الأرض.
سأذكركم بمؤتمر "كوبنهاغن" في كانون الثاني من عام 1997م، الذي أعدت له عقول صهيونية، وضم المؤتمر إياه في أروقته عدد لا بأس به من "الاسرائليين" الصهاينة، يقابلهم في أروقته عدد من شخصيات العالم العربي، برعاية جهات مانحة ترعى المؤتمر من الاتحاد الأوروبي والحكومة الدنماركية، باعتباره رصف حقيقي لشارع التطبيع، وأول إزاحة للستارة العربية الشفافة والخجولة نحو مقاربة معلنة وإضفاء الشرعية لانهاء المقاطعة الشعبية العربية للتطبيع، وبناء علاقة مع الكيان الصهيوني، والصهاينة على عهدهم في خبثهم، سوقوا المؤتمر من تل ابيب في كل الفضاء الإعلامي، وفي كل أروقة السياسة العالمية، واستطاعوا كسرحاجز الصمت لتنطلق النخب المصنوعة من بعض المأجورين العرب ليكون لهم حضورا أوسع في هذا الوسط الصهيوني العفن، وعمل الصهاينة ومن يعمل تحت إدارتهم من أيادي خفية في السيطرة على عقول هذه الفئة من العرب المتصهينين لترويج فكرة التطبيع والتعامل مع اليهود حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من تبرير للتعامل مع الكيان الصهيوني علنا وبلا خجل.
ليس هذا فحسب بل تعمد الصهاينة والمتصهينين إلى ضرب العرب المسلمين في عقيدتهم وفي عقر دارهم، بأن قاموا بتنظيم لقاءات لجمع رجال الدين الإسلامي من العرب مع رجال الدين الصهاينة في "إسرائيل"، بل خططوا لأكثر من ذلك ولنا أن نتذكر مقولة رئيس المخابرات الامريكية "السي أي ايه" السابق" جمس وولسي" عام 2006م، عندما قال" سنصنع لهم اسلاما يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، ثم نقسمهم لنعرات تعصبية ومن بعدها نحن قادمون للزحف وسوف ننتصر".
فنحن بنظرهم هدف سهل المنال، لأنهم بمأمن من غضبنا أو ردة فعلنا، بعدما نجحوا في اختراق مؤسساتنا وبيوتنا ومدارسنا وعقولنا بالتكنولوجيا المفخخة بقتل كل ما نؤمن به، وبكل ما نحرص على الاحتفاظ به من ارث تاريخي واسلامي،ونجحت صهيونيتهم بإغراق عالمنا بالمال الفاسد، والجنس، والعبث واللهو بكل مكملات نعيشها يُعتقد في الظاهر أنها أفضل دروب الحياة التي نصل معها إلى الرفاه والسعادة.
ونجحت الصهيونية فعلا لنكون في مكمن الإختراق والتضليل شعوبا ودولا، ولحقنا مع ذلك كله إفك السياسية وتقلباتها؛ فأصاب العراق ما أصابه وأوجعنا، وكذلك ليبيا نهبوا ما نهبوا، وسيطروا على النفط والمقدرات فيها، وسوريا نجحوا بأن تكون بقعة ملتهبة وساخنة، غير ركام الحرب ودخانها معالمها، ولا زالت مصر غير بعيدة عن فخاخ ومصائد تمارس على شعبها في الافقار والجوع، في حين فلسطين ما زالت ترزح تحت نير الاحتلال والظلم بكل أشكاله، ويمارس الاضطهاد على أرضها وعلى أهلها وعلى مقدساتها، ولم تسلم اليمن والسعودية من الوقوع في مصيدة الفتنة لتكون المواجهة مع جيش الحوثيين، ولم تسلم الأردن من الإستهداف، ومحاولة جرها إلى مواجهة ملفات معقدة ليس لها فيها ناقة ولا جمل.
ونحن كعرب قابعون نراقب ونكتفي بمتابعة ما يجري، وننتظر موعدنا مع مواجهة المؤامرة الصهيونية التي لم تستثني دولة عربية، وتتحين الوقت الملائم لتنفيذ باقي مخططاتها لتعبث في كل مجريات الأحداث، وخصوصيات الدول، ومقاليد الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتكون طواعية في خدمتها، تمهيدا لتدشين باقي الأهداف والأحلام الصهيونية التي لا تقوم إلا على دفن أحلام الشعوب في الحياة الآمنة، كما حدث مع أشقائنا من حولنا، وما زلنا لا نحرك ساكنا وننتظر مصيرنا على أي وجه يكون، وليس لنا عبرة بالمثل "إنَّما أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِل الثَّوْرُ الأبْيَضُ"، وليس لنا علاقة ببيت الشعر الذي يقول:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسّرت آحادا