عمليّاً يواجه التعليم العالي مسألة تضخم اعداد المقبولين في الجامعات وقضايا التعليم، وذراع الجودة في التعليم موكول لهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي، التي تعمل بطموح كبير لتجويد المسار العام للجامعات.
الاعداد المقبولة سنويا تتحكم بها وحدة القبول الموحد في التعليم العالي، والتي تواجه زخم طلبة الثانوية العامة الراغبين في الالتحاق في الجامعات، وهي قصة تتكرر كل عام، وعنوانها الزج بآلاف من الطلبة لمقاعد الجامعات، في مقابل العزوف الكبير عن الاقبال على التعليم التقني والمهني، وهو اقبال خجول مرده لثقافة المجتمع وسعي الناس للمكانة وقلقلها عبر تعليم أبنائهم في جامعات محليّة أو إرسالهم للخارج، مع ما يرافق ذلك من ازمات في الانفاق وتضرر دخل الأسرة، ولاحقا شبح البطالة بعد التخرج، أي أنّ الأسرة تنفق ما لها وما عليها وتبيع مقدراتها وتقترض من البنوك لكي تخرج طالبا بلا فرصة عمل.
في الثانوية والتعليم الخاص والدروس الخصوصية، وفي ظل قناعات مشوهة يتم ارسال طلاب لتركيا او دول أخرى لتخطي عقبة الثانوية، وهذا امر مكلف، ويزيد من اعباء الأسر. وبالنتيجة لدينا اسر مرهونة للبنوك وقلقة وغير مستقرة بسبب التعليم والثقافة المشوهة.
لا مناص هنا من الاعترف بالفشل في توجيه او خلق ثقافة جدية عند الناس، واللوم هنا ليس على التعليم العالي، بل على سياسات التوظيف والفرص في التعليم التي تعتبر معدل التوجيهي او معدل التخرج من الجامعة معياراً للتعيين. وهذا امر يحتاج لحل.
يجب في هذه الحالة التفكير خارج الصندوق، وبعيدا عن ضغط الناس والنواب والتنظير المفرط حول حقوق الطلبة في الحصول على مقاعد جامعية، ويجب الإقرار بضرورة وضع حدود نهائية لاعداد المقبولين في الجامعات، وهذا يصطدم بتمويل الجامعات وتوفير مداخيل ماليّة لها لتمكينها من القيام باعمالها.
لدينا خطة ووثيقة وطنية للموارد البشرية، ووزير التعليم العالي د وجيه عويس ادرى بها وقادها ودافع عنها، لكنها خطة تواجه ضغط واقع مليء بالتحديات. ولكن لا بدّ من الإقرار بحتمية تطبيقها ودفع طلاب الثانوية بنسبة لا تقل عن 50% للتعليم التقني والمهني ووقف تصدير البطالة.
اليوم بات حلم العائلة الحصول على مقعد لابنها في الجامعة، لكنه حلم يموت بعد التخرج، والدولة لا تستطيع توفير أكثر من 8000 فرصة عمل سنويا والقطاع العام برقم مماثل او يزيد، بمعنى أن لدينا اكثر من 35 ألف خريج سنويا يتم رفعهم إلى مقاعد البطالة بعد التخرج.
في مقابل فوضى الاقبال على الجامعات والتخصصات الراكدة وغير الراكدة، اخذت الجامعات التفكير بفتح تخصصات جديدة، وللأسف البرامج المفتوحة تشابه بعضها، واليوم لدينا فرصة لفتح جامعات طبية أو كليات طب، تقلل سفر الطلبة للخارج، وهناك تقييد كبير على فتح كليات طب لا معنى له، مع ان وزارة التعليم العالي تدرك وتعرف أن طلابنا يذهبون لجامعات عربية واجنبية أقل كفاءة من جامعاتنا الخاصة ويعودون منها كاطباء، ونموذج طلاب أوكرانيا حاضر اليوم.
هناك ترخيص حاليا لجامعة طبية في العقبة وأخرى في عمان كما علمنا، لكن هناك فرص لجامعات خاصة اخرى لديها الملاءة والقدرة المالية على فتح كليات طب وطب اسنان، مقابل توفير مستشفيات تعليمية وهذا أمر يحل باتفاقيات تدريب وتعليم، مع ضمان الابتعاث لجامعات عليمة طبية عالمية لتوفير مدرسين مستقبلاً، لكن الشروط تظل صعبة والتمترس وراء مخاوف لا معنى لها يزيد الأمر تعقيداً، وبالنهاية مزيد من تحويلات الاردنيين بالعملة الصعبة لطلابنا في دول قلقة وفيها أزمات داخلية، وتعليم ضعيف طبياً.